IMLebanon

ماذا ينتظر لبنان خلال تشييع نصرالله؟

تقرير ماريلين عتيّق:

الأحد 23  شباط 2025، يوم غير عادي سيشهده لبنان. الجميع على أعصابه، ينتظر ما قد يحمله هكذا نهار من مفاجآت، على الأغلب غير سارّة.

فالأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، أعلن هذا التاريخ موعدًا لتشييع السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين، بعد حوالي الخمسة أشهر على اغتيالهما، داعيًا إلى أوسع مشاركة وإلى الانضباط، لأن المسيرة ستكون ضخمة.

لكن بمجرّد العودة إلى الأحداث الأخيرة التي حصلت على طريق مطار رفيق الحريري الدولي، يتضح لنا أن تظاهرات الحزب وتجمعاته، بعيدة كل البعد عن السلمية.

قطع طريق، التعرض لعناصر الوحدات العسكرية المولجة حفظ الأمن، التعدي على الآليات العسكرية، إصابة عناصر من الجيش اللبناني، حرق سيارة تابعة لقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان اليونيفيل، شتم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وغيرها من أعمال الشغب التي تدفعنا إلى طرح علامات استفهام كثيرة حول نهار التشييع.

ورغم الوقائع المذكورة أعلاه، اعتبر حزب الله في بيان، أن الاعتصام الشعبي الذي نظّمه استنكارًا للتدخل الإسرائيلي بالشؤون اللبنانية، كان تحركًا سلميًّا وتعبيرًا حضاريًّا.

وقال إن مناصريه تفاجأوا بعناصر الجيش اللبناني، وكأن وجود الجيش في التظاهرات أمر غريب عجيب.

فما الذي ينتظرنا الأحد خلال مراسم التشييع الحاصلة أمام أنظار العالم والمجتمع الدولي؟

في هذا الإطار، رأى عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص، في حديث لموقع IMLebanon، “أننا سنطوي يوم الأحد مع تشييع قادة حزب الله صفحة أليمة من تاريخنا”، آملًا أن “يمرّ هذا اليوم على خير من دون أي أشكال”.

وأكد عقيص أن “للموت احترام، فهو حالة إنسانية تمتزج فيها العواطف والعقل، الماضي بالحاضر والمستقبل. إننا ومع احترامنا الشديد لحرمة الموت لا يسعنا أن ننسى أن المسار الذي سلكه حزب الله بعد العام 2000 كان كارثيًّا على لبنان، وتسبب بموت ودمار وحروب وأزمات وهجرة شباب”.

وكشف عن أن “حزب الله يسعى من خلال التشييع إلى الاستثمار السياسي والشعبي داخليًّا وخارجيًّا، للإيحاء بأنه لا يزال قادرًا على التأثير في المسرح السياسي اللبناني. ولكننا نذكره بأن تظاهرة 8 آذار الحاشدة التي دعا إليها الحزب عام 2005 تحت شعار “شكرًا سوريا”، هي التي جرّت إلى مليونية 14 آذار التي أخرجت سوريا من لبنان”.

وقال: “لن أعلّق على مكان التشييع ولا على الدعوات ولا على الشكل، ما يهمني هو الجوهر، هو أن يعي جمهور الثنائي أنه لم يعد بإمكانه معاداة كل الشعب اللبناني، وكل الدول العربية وكل دول العالم الصديقة من أجل تنفيذ سياسات إيران وطموحاتها في المنطقة”.

وأوضح عقيص أن “الحرب العبثية التي يشنها حزب الله على العهد والحكومة توازي بعبثيتها حرب الإسناد التي خاضها منذ 8 تشرين الأول 2023. أعتقد أن على الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام إظهار كل الحزم من دون أن يؤدي ذلك، بالضرورة، إلى المساس بالسلم الأهلي”، مشيرًا إلى أن “ما قد يؤدي فعلًا إلى المساس بالسلم الأهلي هو مراعاة الحزب في ما لا يجب مراعاته فيه”.

وتابع: “إننا ننتظر أفعالاً من هذه الحكومة، وإن شاركنا بها عبر شخصيات قريبة منا، إلا أنها كما أي حكومة أخرى تخضع لفترة سماح، يبنى على أفعالها ومدى قدرتها على تنفيذ بيانها الوزاري المقتضى السياسي المناسب”.

وذكر أنه “لا يمكن التنبّؤ بأفعال إسرائيل أو حزب الله. ولكنني أؤكد أن الحرب الأخيرة علّمتنا وبكلفة عالية جدًّا درسًا عميقًا، وهو أن قرار الحرب والسلم يجب أن يكون بيد الدولة والسلاح بيد الجيش، وكل ما عدا ذلك هو خراب ودمار”.

وختم عقيص: “بالمحصلة، على حزب الله أن يعود إلى كنف الدولة، لتشكل هذه العودة انتصارًا للدولة وإنقاذا لجمهور الحزب”.

أما النائب السابق مصطفى علوش، فتوقّع أن “يكون هناك مشاركة هائلة بمراسم التشييع يوم الأحد، أي مئات الآلاف من المشيّعين، بغض النظر عن الأحداث التي حصلت على طريق المطار وغيرها”.

وقال علوش لـIMLebanon: “لا شك أن أعمال الشغب واردة ولكن إن أتت فستكون من دون تنظيم مسبق، لأن حزب الله سيحاول أن يشير من خلال هذا التشييع إلى أنه لا يزال مسيطرًا بكل قدراته على المسائل اللوجستية، وعمليًّا هو قادر على ضبط عناصره ومناصريه”.

وأضاف: “لذلك أرى أن الحزب سيحاول أن يعطي انطباعًا أنه ما زال ممسكًا بزمام الأمور والأكثرية الشعبية تؤيده، وسيتّخذ من هذا التشييع محاولة لإعادة تظهيره سياسيًّا، لكونه القوة الأكثر قدرة على الحشد في لبنان”.

كما اعتبر أن “الرسائل التي يريد أن يوجهها الحزب من خلال التشييع، هي داخلية بشكل أساسي، فهو يريد أن يقول إنه الرقم الأصعب في لبنان، وإن الحرب العسكرية لم تنهه، ومسألة الحصار القائم الآن بعد سقوط نظام الأسد والسيطرة على المعابر لم تغيّر شيئًا في المعادلة، كما أنه قادر على قلب الأمور رأسًا على عقب، ولا شيء سيثنيه عن الاستمرار في خدمة مشروع الفقيه بغض النظر عن الصعوبات التي تعرّض لها. إذًا عمليًّا هي رسالة تحذيرية للسلطة القائمة محليًّا، وربما أيضًا لمن يدعم هذه السلطة الجديدة محليًّا إقليميًّا ودوليًّا”.

وشدد على أنه “لا يمكن لحزب الله أن يشارك في الحكومة وألا يؤيد البيان الوزاري وخطاب القسم، أما عودة الحزب إلى كنف الدولة فغير واردة، ولكن قد يمارس بعض التقية في هذا الأمر لكي يتمكّن من بناء سيطرته، وهذا ليس بالجديد عليه، فهو يتعامل مع كل شيء بمنطق عسكري أي المناورة والخداع عندما يلزم والتعبير عن الانتصار حين يتمكّن من ذلك”.

وتابع: “لذلك أرى أن كل هذه الأمور مجرّد محاولة للبقاء على قيد الحياة ولإعطاء الانطباع بأنه سيكون عنصرًا إيجابيًّا في فترة الحكم المقبلة كي لا يتعرّض لمزيد من الضغوط”.

إلى ذلك، رأى أن “مسألة السماح لحزب الله بتنظيم المراسم في “مدينة كميل شمعون الرياضية”، أمر منطقي، لأنه إن لم تقبل الدولة بذلك فستعمّ الفوضى، وأرى أنه من الحكمة أيضًا تعديل حركة الملاحة الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي كي لا يتعرّض المسافرون لإعاقات ستحصل حتمًا، خاصة وأن الحشود التي ستصل من كل الأماكن ستأتي عبر المطار، كما أن التشييع سيكون في هذه المنطقة بالذات، وإطلاق الرصاص وارد”.

وأردف علوش في السياق: “كذلك أؤيد الحذر في فتح الملاحة الجوية بعد الساعة الرابعة بناء على المعطيات”.

وعما إذا كان يتخوّف من ضربة إسرائيلية تهدف إلى عرقلة مراسم التشييع، أجاب: “إسرائيل تتخذ خياراتها بناء على رؤية استراتيجية، وربما تريد للجنازة أن تأخذ مداها لتسوّق أنها لا تزال تواجه عدوًّا وأنها مضطرة للبقاء في مناطق مراقبة لأن الوضع لم يستقر”، مشيرا إلى أن “لإسرائيل رؤيتها الخاصة ولكن هذا لا يعني أنها لن تستمر في استهداف القيادات والمسؤولين المرتبطين بحماس على الأقل، أما بالنسبة لقيادات الحزب فلست أدري ما الذي يجول في عقل الجيش الإسرائيلي، ولكن لا أستغرب أن يحصل أي شيء”.

وبالنسبة للوضع على الحدود الجنوبية، أكد علوش أنه “لن يتغيّر شيء بالنسبة للحدود، فمغامرات حزب الله العسكرية مجمدة لأجل غير مسمى، فمن دون أن يكون لديه ممر استراتيجي يعبر من سوريا، لا يمكن للحزب أن يعوّل على عمليات عسكرية واسعة النطاق ومنظمة وذات فعالية”، مضيفًا: “قد يكون هناك بعض الحركات الاستعراضية، ولكن الإشكال الكبير أنه بذلك سيعرّض عناصره وكوادره للقتل لأن إسرائيل ليست باقية في خمس نقاط استراتيجية وحسب، بل ستستمر بالمراقبة وعمليات الاستهداف”.

ولفت إلى أن “الحزب سيمارس التقية في هذا الموضوع، وسيستمر بالكلام عالي النبرة، لكنه لن يفعل شيئًا أكثر من ذلك”.

وختم علوش حديثه قائلًا: “إصرار الجيش الإسرائيلي على البقاء في خمس نقاط استراتيجية ليس لحاجته على التجسس، بل لمنع أي تمركز لقوة يعتبرها معادية حتى ولو كانت الجيش اللبناني، لذلك السبيل الوحيد للبنان هو أن يذهب إلى الأمم المتحدة ليعيد ترسيم الحدود والتسوية عليها، لكن أعتقد أن إسرائيل ستذهب إلى نوع من البازار في هذا الخصوص”.

يبدو أن المشهد يزداد ضبابية وتعقيدًا، فلا أحد يملك يقينًا حول ما سيحدث يوم الأحد المرتقب. كل الاحتمالات مفتوحة أمام فريق مسلح اعتدى على الجيش اللبناني، وأشعل أعمال شغب، وهاجم رئيسَي الجمهورية والحكومة، من أجل طائرة إيرانية تهدد أمن المطار ولبنان بأسره. إذًا حزب الله يوظّف مراسم التشييع لإيصال رسائل متعددة، ولعل أبرزها تعزيز نفوذه السياسي والشعبي داخليًا وخارجيًا، بعدما استنزف كل أوراقه العسكرية ولم يتبقَ له سوى رصاصة أخيرة لضمان بقائه على قيد الحياة. فهل سيمر هذا اليوم على خير، أم أن لبنان مقبل على زلزال جديد؟