IMLebanon

في بلدة حوش السيد علي: سيادة وطنية أم صدام مع الأمر الواقع؟

وضِعت الدولة اللبنانية والجيش أمام تحدٍ صعب فرضته الأحداث الأخيرة والمتتالية على الحدود اللبنانية السورية لجهة الهرمل، ويتمثل هذا التحدّي  بفرض السيادة الوطنية وانتشار الجيش للمرة الأولى في تلك المنطقة والتعامل مع الواقع الأمني والسياسي الجديد الذي رسّخته سنوات من النزاع في سوريا، وتلاها سقوط نظام الأسد. وتبدو الأمور أكثر تعقيداً وغير محسومة النتائج.

ففي خطوةٍ مفاجئة تحمل أبعاداً أمنية وسياسية، دخل الجيش اللبناني ظهر أمس إلى بلدة حوش السيد علي، الواقعة على الحدود اللبنانية السورية حيث التداخل الجغرافي بين البلدين بعدما سيطر عليها الجيش السوري منذ يومين. حدث هذا في مشهدٍ غير اعتيادي لم تعرفه المنطقة. وتزامن دخول  الجيش مع انسحاب القوات السورية من البلدة بعد الاتصالات التي جرت على مدى اليومين الماضيين بين الدولتين، والتنسيق بين مديرية المخابرات اللبنانية والأمن السوري، وأثار ذلك ردود فعلٍ حادّة من الأهالي الذين استقبلوا الجيش بهتافات تخوينية واتهامات بالعمالة بدل الأرز والورود، كون انتشاره في المنطقة لتعزيز الأمن والاستقرار، وحمايتهم من أي تطوّرات ميدانية.

جاء دخول الجيش اللبناني إلى حوش السيد علي بعد اشتباكات دامت أكثر من ثلاثة أيام على خلفية مقتل ثلاثة عناصر من القوات السورية، سقط على أثرها أكثر من 7 لبنانيين نتيجة القصف الذي طاول الأراضي اللبنانية. وتحرّك الجيش ضمن عملية أمنية تهدف إلى فرض سيادة الدولة اللبنانية على المناطق الحدودية التي لطالما شكلت محور نزاع، وممرّات لتهريب المخدّرات والسيارات المسروقة والمحروقات، ومناطق خارجة عن سيطرة الدولة.

وفي خطوة زادت الأمور تصعيداً، بدأ الجيش اللبناني منذ دخوله عمليات تفتيش دقيقة صادر بموجبها أسلحة متوسطة وثقيلة وعتاداً، وتولّى تفتيش العابرين إلى البلدات الحدودية، فانتشرت على الأثر تسجيلات صوتية لعدد من الأشخاص تطالب الأهالي بقطع الطرقات اعتراضاً على مصادرة تلك الأسلحة والتأكيد بأنها لـ “حزب اللّه”.

وأتت عمليات مصادرة الأسلحة إشارةً غير مسبوقة من الجيش اللبناني وتعاطيه مع “حزب اللّه”، إذ نادراً ما يتخذ الجيش إجراءات مماثلة بحق سلاح “الحزب” لا سيّما في المناطق الحدودية حيث يتمتع بنفوذ كبير، ما يفتح باب التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين المؤسسة العسكرية و “حزب اللّه”، وتالياً مع أبناء العشائر أيضاً، ومدى استعداد الجيش لمزيد من المواجهات الميدانية في ظلّ المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقه، والتوازنات التي تحكم الوضع اللبناني؟ كذلك، يأتي تحرّك الجيش هناك في سياق أوسع يشمل التوترات المتزايدة على الحدود الجنوبية والشرقية، وخصوصاً بعد الاشتباكات الأخيرة التي حصلت قبل أيام بين عناصر من القوات السورية وأبناء العشائر.

ميدانياً، هدأت الجبهة على الحدود الشرقية، وخمد صوت الرصاص الذي استمرّ لأيّام، وانسحبت عناصر القوات السورية من الأراضي التي كانوا قد دخلوها سابقاً، وعمد الجيش اللبناني بعد تعزيز انتشاره في المنطقة، إلى إقفال المعابر غير الشرعية في منطقة القصر الهرمل، والفتحة والمعراوية وشحيط الحجيري في مشاريع القاع، لمنع التهريب وعمليات التسلل، وقطع دابر الاشتباكات والتوترات، وكل مسبّبات توتير الأجواء لا سيّما عمليات تهريب المخدّرات، وقام بتسيير دوريات لضبط الأمن والحفاظ على الاستقرار.

وعاد الأهالي الذين نزحوا من منازلهم في بلدة حوش السيد علي إليها بعد أن قام الجيش اللبناني بعمليات مسح شاملة لها حرصاً على حياتهم وسلامتهم، وتسلّمت عائلة الحج حسين جثمان ابنها أحمد الذي سقط في بلدة القصر إثر سقوط قذيفة على منزلهم.