IMLebanon

إعلان عن تسليم 700 سجين سوري.. من يقف وراء “التسريبة”؟

كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:

عقب الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي إلى دمشق في كانون الثاني الماضي بعد إطاحة الرئيس المخلوع بشار الأسد، ولقائه الرئيس الإنتقالي أحمد الشرع أعلنت الخارجية السورية أنه اتفق بين الجانبين على “استرداد جميع المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية”. ومن حينه عاد ملف السجناء السوريين في لبنان إلى الضوء ودخل في دهاليز الزواريب السياسية لا سيما بعد تسرب أخبار مفادها أن سوريا غير مستعدة لتسلم سجناء أو عودة النازحين قبل استرداد الدولة أموالها من المصارف اللبنانية.

بالنسبة إلى السجناء السوريين لا يزال اللغط قائما في مسألة الأعداد. وتشيرالإحصاءات إلى وجود 2100 سجين، في حين يؤكد رئيس لجنة السجون في نقابة المحامين المحامي جوزف عيد أن هناك 8400 سجين من كل الجنسيات موزعين على 25 سجناً و290 نظارة. وبالنسبة إلى السجناء الأجانب هناك 48 في المئة من أصل مجموع السجناء الوارد أعلاه، و32 في المئة من السوريين أي ما معدله 2575 سجينا سوريا في السجون اللبنانية ، 83 في المئة أي حوالى 850 سجينا لم يمثلوا بعد أمام القضاء ولم تصدر في حقهم أحكام .

في ما خص الموقوفين بتهمة الدخول غير الشرعي إلى لبنان ولم يرتكبوا أي جرم، يمكن للأمن العام ترحيلهم بقرار إداري لتخفيف الاكتظاظ في السجون اللبنانية. إلا أن الأحداث التي وقعت في سوريا منذ أيام، فرملت مسألة إعادة السجناء الموقوفين بتهمة الدخول غير الشرعي، أضف إلى ذلك عدم ضبط عملية النزوح عبر المعابر غير الشرعية. من هنا يصعب تسليمهم أو حتى تطبيق أي اتفاق طالما لا توجد مراعاة لأي من السلطتين اللبنانية والسورية.

من بين السجناء السوريين في لبنان، ثمة موقوفون بتهم “إرهاب” والانتماء إلى تنظيمات جهادية وفصائل مسلحة وقد أحيلوا إلى المحكمة العسكرية، ومن بينهم متهمون بشن هجمات ضد الجيش اللبناني داخل مناطق حدودية، في ذروة النزاع السوري الدامي الذي اندلع بعد قمع السلطات لاحتجاجات شعبية مناهضة لها عام 2011.ولا يزال هناك عدد كبير ممن لم تصدر في حقهم أحكام من المحاكم المختصة، لكن ما لا يمكن التنازل أو التغاضي عنه في ملف السجناء السوريين في لبنان أن المجرم يجب أن ينال عقابه ويطلق سراح كل من تثبت براءته من أية تهمة.

والسؤال الذي يطرح: من يضمن تطبيق القوانين المرعية الإجراء في حال عدم وجود لجان مراقبة؟ وهل الثقة المتبادلة وهي الضامن الأول والرئيسي لعملية التبادل موجودة بين الدولتين اللبنانية والسورية؟

في الساعات الماضية نُقل عن “مصدرقضائي لبناني” أن “بيروت مستعدة لتسليم أكثر من 700 سجين سوري من أصل 2000 إلى بلادهم بعد إنجاز الملفات العائدة للمحكومين والموقوفين السوريين الذي يستوفون شروط تسليمهم” لافتاً إلى أن “أوضاع هؤلاء صعبة أسوة بباقي السجناء اللبنانيين وغيرهم من جنسيات مختلفة، بسبب تراجع التقديمات الغذائية والطبية نتيجة الأزمات المالية والاقتصادية التي يعيشها لبنان، والازدحام في الزنزانات”. ولم يصدر نفي أو تأكيد عن الديبلوماسية السورية التي تتولى الملف منذ إعلان حوالى 150 سجينا سوريا الإضراب عن الطعام في شباط الماضي ولم يعلن حتى عن الآلية التي ستعتمد أو من هم السجناء الذين سيتم تسليمهم. فالقانون اللبناني واضح في مسألة تسليم السجناء إلى بلادهم إذ نص في إحدى مواده على أن” كل أجنبي ارتكب جرما على الأراضي اللبنانية يحاكم على الأراضي اللبنانية “.

التسريبة “القضائية” لم تُذيّل بجدول زمني واضح لتنفيذ عملية التسليم، حيث قد تتطلب هذه الخطوة تنسيقًا دقيقًا بين السلطات اللبنانية والسورية لضمان الامتثال للمعايير القانونية والإنسانية. والأهم من ذلك كان وقع هذا الإعلان بحيث أثار مخاوف بين السجناء السوريين، خصوصا الموقوفين بتهم سياسية أو بالانتماء إلى فصائل معارضة للنظام السوري السابق، خشية احتمال تعرضهم لمخاطر في حال تسليمهم. من هنا يبقى تنفيذ قرار التسليم مرهونًا بتطورات التنسيق بين بيروت ودمشق، مع مراعاة الضمانات القانونية والإنسانية المطلوبة لحماية حقوق السجناء.

مدير برنامج الدعم القانوني في مركز سيدار للدراسات القانونية المحامي محمد صبلوح لديه تحفظات قانونية وإنسانية بشأن مسألة تسليم الدولة اللبنانية 700 سجين سوري إلى السلطات السورية. وعقب شيوع الخبر انهالت عليه الإتصالات خصوصا أنه مكلف بالدفاع عن عدد كبير من السجناء إنطلاقا من موقعه القانوني وصفته في منظمة حقوق الإنسان ويقول لـ”المركزية” تفاجأت بالخبر وبعد التواصل مع السفارة السورية وعدد من المسؤولين في الداخل السوري للتأكد من صحة كلام “المصدر القضائي” فوجئت أن لا علم لدى أي من المراجع الديبلوماسية والرسمية في سوريا بخبر تسليم الدولة اللبنانية 700 سجين سوري”.

ويضيف صبلوح ” لو سلمنا بمصداقية الوسائل الإعلامية التي نقلت الخبر، فلماذا لم يُعلن عن إسم المصدر القضائي اللبناني، وما هي المعايير التي اعتمدت في اختيار الـ700 سجين. واستطراداً، إذا كانت هذه التسريبة لنشر نوع من الإطمئنان لدى السجناء السوريين عقب الزيارة التي قام بها وفد من السفارة السورية إلى سجن رومية نتيجة إعلان حوالى 150 سجينا إضرابهم عن الطعام و إبلاغهم أن السفارة ستنقل الملف بكل تفاصيله إلى الدولة السورية ، إلا أن “الخبر” يحتاج إلى مزيد من التفاصيل لأنه انعكس فوضى وبلبلة وخوفا لدى السجناء .أما إذا كان ثمة غرض من وراء طرحه فالأمر أيضا يحتاج إلى تفاصيل”.

ويختم” أمام الحكومة اللبنانية خياران للتعامل مع هذا الملف من الناحية القانونية: إما التعاون مع الحكومة السورية لتسليم المعتقلين وفقًا للاتفاقيات القضائية الموقعة بين البلدين، أو إصدار عفو عام عن المعتقلين السوريين في لبنان إذا كانت فترة انتظارهم قد طالت. لكن ثمة محاذير في ما يتعلق بالخيار الثاني، إذ قد تكون له تبعات قانونية وسياسية معقدة، حيث يتطلب إصدار عفو عام يشمل جميع السجناء”. ويشدد صبلوح “على ضرورة التزام لبنان بتعهداته الدولية وضمان عدم تعريض حياة السجناء السوريين للخطر من خلال تسليمهم إلى السلطات السورية، خصوصا في ظل المخاوف من تعرضهم للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية”.