كتب عمر نشابة في “الأخبار”:
صدرت الأسبوع المنصرم قرارات واتُّخذت إجراءات أشارت إلى انطلاق قطار الإصلاحات في دوائر السلطة القضائية. فقد أصدر قاضي التحقيق في محكمة التمييز بيار فرنسيس مذكّرة توقيف وجاهية بحق القاضي السابق عماد الزين بجرم تقاضي رشوة مالية عندما كان قاضي تحقيق أوّل في البقاع. وأحيل الزين بعد توقيفه من مكتب المباحث المركزية في وزارة العدل إلى سجن مخصّص للضباط والقضاة في مقر المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في الأشرفية. ويتابع فرنسيس تحقيقاته في ملف مماثل يتعلق بالقاضي السابق أسامة اللحام الذي استدعاه للاستجواب في 7 نيسان المقبل.
كذلك أصدر النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار قراراً بمنع وزير الاقتصاد السابق أمين سلام من السفر بعدما قدّم رئيس لجنة الاقتصاد النيابية النائب فريد البستاني إخباراً بحقه حول شبهات اختلاس المال العام وقبض رشاوى وصرف نفوذ من خلال ابتزاز شركات تأمين.
في الأسابيع المقبلة، سيتبيّن ما إذا كانت هذه القرارات استثنائية أم جزءاً من ورشة إصلاح انطلقت بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين رئيس للحكومة وتشكيل مجلس الوزراء. فلا شك أن الفساد منتشر في القطاعين العام والخاص وفي مختلف الدوائر بما فيها القضائية. ولا بد أن تستمر الملاحقات وأن تشمل أياً كان مهما علا شأنه وأياً تكن الجهة الطائفية أو السياسية أو الخارجية التي تقف خلفه.
ويفترض أن تكوّن النيابات العامة مفهوماً واضحاً للأنماط الجنائية وتجمع الدروس من الملاحقات السابقة والجارية لتجاوز العقبات التي قد تحول دون اكتمال المحاسبة. فلا يحقّ لأحد، ولو كان رئيساً للجمهورية أو لمجلس النواب أو مجلس الوزراء أو وزيراً أو قائد جيش أو مديراً عاماً أو رجل دين… أن يتدخل لحماية أي شخص يلاحق قضائياً. وفيما يبدو ذلك بديهياً إلا أنه ليس كذلك اليوم، ويُخشى أن تتكثّف التدخلات خلال الأيام المقبلة للضغط من أجل إفراغ القرارات التي ذكرناها من مضمونها.
أمام القضاء ورشة عمل واسعة وطويلة ومعقّدة، ولا بد من مراجعة القضايا السابقة التي كان ينظر فيها القاضي إذا ثبت فساده أمام المحكمة، إذ يمكن أن يكون قد تقاضى رشوة في قضايا أخرى، وقد يستدعي ذلك إعادة المحاكمات بعد الطعن في شرعيتها.
أما بشأن حجز حرية القضاة الملاحقين فيُفضّل أن يكون في سجن مخصّص لهم لا يقع في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وإن كان ذلك غير ممكن في الوقت الحالي بسبب أزمة السجون في لبنان. وبالتالي فإن احتجاز القضاة الملاحقين في هذا السجن يبدو مناسباً بشكل مؤقّت ومرحلي إلى حين إصلاح السجون وإعادة تنظيمها.إنّ النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، القاضي سامي صادر، أصدر أخيراً تعميماً بإضافة يوم الجمعة إلى أيام استقبال شكاوى المواطنين بعدما كانت محصورة بين الإثنين والخميس فقط. ويهدف هذا القرار إلى تسهيل الإجراءات القانونية أمام المواطنين وتسريع النظر في القضايا. كما يساهم هذا القرار في تعميم نفَساً إصلاحياً في قصور العدل ويبشّر بانطلاق ورشة العمل الجادّ لاستعادة الحق في المحاكمات العادلة في لبنان. فهل يبقى مجرّد تبشير أم يتحوّل فعلاً إلى إصلاح ونهوض؟