IMLebanon

لماذا لا يستعمل لبنان حق الدفاع عن النفس؟

كتب غاصب المختار في اللواء:

ثمة إجماع رسمي وسياسي على ان العدو الإسرائيلي لا يحتاج عذراً أو سبباً لشنّ مزيد من الاعتداءات العنيفة على لبنان كما حصل يوم السبت، بعد إطلاق «صواريخ مجهولة» من منطقة النبطية نحو مستعمرات الأراضي الفلسطينية المحتلة. وحسب المعلومات كان العدو يضع بيروت من ضمن أهداف الغارات لولا الاتصالات التي أجراها رئيس الجمهورية جوزاف عون مع الجانب الأميركي ووزير الخارجية يوسف رجّي مع الجهات العربية والدولية لوقف العدوان الواسع.

وإذا كانت الصواريخ المجهولة الفاعل قديمة العهد وتم اطلاقها من منصات بدائية خشبية وليس منصات اطلاق حديثة، فإن الجهات الرسمية المتابعة تساءلت: ألم ينتبه طيران الاحتلال المُسيّر الذي لا يغيب لحظة عن سماء الجنوب، والأقمار الصناعية التي لا تغيب يوماً عن رصد الأرض اللبنانية، الى اطلاق أول صاروخ لتحديد مكانه وقصفه، وانتظرت قيادة الاحتلال السياسية والعسكرية اطلاق ستة صواريخ لتردّ بعشرات الغارات التدميرية على مناطق واسعة من الجنوب وبعض مناطق البقاع ما أوقع سبعة شهداء و40 جريحا؟

وبدا حسب المتابعين، ان حجم الغارات والأهداف التي طالتها يدّلان على ان العدو الإسرائيلي كان يتحضر لتنفيذها بإنتظار الحجة ولو الواهية، برغم ادراكه ان الصواريخ عشوائية وليست من عمل مقاتلين محترفين، وبالتأكيد ليست من عمل حزب الله، الذي إذا أراد أن يرد على الانتهاكات الإسرائيلية لوقف اطلاق النار لرد بطريقته الفعّالة التي تؤذي الاحتلال بقواته وفي مستعمراته الحدودية. لكن يبدو ان قرار التصعيد كان متخذاً على المستويات القيادية السياسية والعسكرية حسب تصريحات قادة الاحتلال السابقة لعدوان السبت.

وفي التفسير السياسي لحجم العدوان ونتائجه الدموية والتدميرية (7 شهداء و40 جريحاً)، لا يمكن استبعاد فكرة أن يكون الاحتلال قد أوعز لعملائه الكثر في لبنان بتركيب الصواريخ واطلاقها، لتكون لديه الذريعة التي منحه إياها الاتفاق الجانبي مع الإدارة الأميركية تحت عنوان «الدفاع عن النفس»، الذي تضمنته أيضا الآلية التنفيذية لإتفاق وقف اطلاق النار وتنفيذ القرار 1701، والتي منحها أيضا للبنان، لكن لبنان الرسمي لم يستعمل هذا الحق بالرد على العدوان ولو ببضع طلقات رصاص او قذائف مدفعية من الجيش اللبناني الذي أناط به الاتفاق حصرية استعمال السلاح جنوبي نهر الليطاني وحصرية الدفاع عن حدود لبنان.

ويبدو ان المستوى الرسمي اللبناني سلّم بالمطلق أمر وقف الاعتداءات الإسرائيلية الى الجانبين الأميركي والفرنسي في لجنة الإشراف على تنفيذ وقف اطلاق النار، واللذين لا يقومان بأي إجراء فعلي لإلزام العدو الإسرائيلي بوقف انتهاكاته القائمة منذ اللحظة الأولى لإقرار الاتفاق في كانون الثاني الماضي.

ومع استمرار الجانب الأميركي بإعطاء الحجة للكيان الإسرائيلي للقيام بما يرتأيه في لبنان، بالتوازي مع الضغط السياسي القائم على لبنان منذ فترة لتشكيل اللجان الثلاث التي تريدها الإدارة الأميركية بطلب إسرائيلي للتفاوض الدبلوماسي والسياسي، يتضح ان الضغط تجاوز الجانب السياسي الى المستوى العسكري لإلزام لبنان بتشكيل اللجان الثلاث، ليس بهدف التفاوض على الانسحاب من النقاط المحتلة واطلاق سراح المعتقلين وعلى تثبيت الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، بل لهدف أبعد روّج له الجانبان الأميركي والإسرائيلي مؤخراً جوهره تطبيع العلاقات بين لبنان والكيان الإسرائيلي وصولاً الى تسوية سلمية.

وهذا الهدف أعلنه صراحة يوم السبت الموفد الأميركي الى الشرق الاوسط ستيفين ويتكوف بقوله: أنّ «تطبيع العلاقات بين لبنان وسوريا مع إسرائيل أصبح احتمالاً حقيقيًّاً». وقال ويتكوف في مقابلة مع صحافية: «أعتقد أنه بإمكان لبنان تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حرفيًّا من خلال إبرام معاهدة سلام بين البلدين. هذا ممكن حقاً. وينطبق الأمر نفسه على سوريا. وأن تطبيع العلاقات بين لبنان وإسرائيل، ثم بين سوريا وإسرائيل، يمكن أن يكون جزءا من عملية أوسع نطاقا لإحلال السلام في المنطقة».

إذن لم يعد مخفياً الهدف الأميركي والإسرائيلي من كل هذه الضغوط السياسية والعسكرية على لبنان، ولا سيما انه تزامن وتلا الموقف الرسمي اللبناني أعلنه مؤخراً وزير الخارجية يوسف رجّي بأن لا مفاوضات سياسية مباشرة ولا تطبيع مع إسرائيل، فجاء التصعيد الإسرائيلي العسكري المغطّى أميركياً ردّاً على موقف لبنان الذي يشدّد على التفاوض العسكري التقني لتحقيق الأهداف الثلاثة فقط بإنسحاب الاحتلال واطلاق المعتقلين وتثبيت الحدود البرية.