IMLebanon

عندما يحاضر “حزب الله” بالمصلحة الوطنيّة

كتبت ماريان زوين في نداء الوطن:

يبدو أنّ الموقف السياسي اللبناني يصعب فهمه ممن اعتاد اللّغة “الإيرانيّة” و”السورية البعثيّة”

يخشى “حزب الله” إلحاق الضرر بـ “المصلحة الوطنيّة”: جميلٌ كعنوان، لكن من الصّعب تصديقه. فـ “الحزب” الذي كان السّبب بعزل لبنان عن محيطه العربي منذ مشاركته في حرب سوريا ودعم الحوثيين وشتم السعوديين، والذي دمّر بيوت أولاد جماعته بسبب خياراته غير المدروسة (باعتراف جماعته لو لم تقلها علناً)، غريبٌ عليه أن يحاضر بالمصلحة الوطنيّة، لكن ليس غريباً عليه أن يثير الضجيج عبر أجنحته النيابية والإعلاميّة حول تصريحات حكوميّة تعرّي “الحزب” من شمّاعته.

أشعل رئيس الحكومة نواف سلام بتصريحه خلال حديث إعلامي عن أنّ “معادلة جيش شعب مقاومة صارت من الماضي”، غضب “حزب الله”. وأزعج وزير الخارجية اللبنانية جو رجّي، أيضاً  “الحزب”، فماذا قال؟ هو تحدّث عن رفع لبنان شكوى ضدّ إسرائيل، وطالب بانسحابها الفوري، لكن شرح أن “الشرط الأساس لوقف إطلاق النار كان الالتزام بتنفيذ القرار الدولي 1701 بكامل مندرجاته، وأحد هذه المندرجات هي القرارات الدولية ذات الصلة وهي 1559 و1680 والتي تتحدث عن حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وهذا لم يطبق بعد”. هو شدّد أيضاً على “ضرورة التزام “حزب الله” باتفاق وقف إطلاق النار الموقّع بين لبنان وإسرائيل في تشرين الثاني الماضي، الذي ينصّ على حصريّة حمل السلاح من القوى الشرعيّة فقط”.

ما الذي أزعج “حزب الله” ومن حوله في هذين التصريحين كي يصوّب نيرانه عليهما ويحوّلهما إلى جريمة؟ يذكّر “حزب الله” نفسه، ومعه رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي فاوض الأميركيين دائماً بالتزامهما تطبيق القرار 1701، واتفاق وقف إطلاق النار. ما قيل لم يكن خروجاً عن الوقائع، بل هو إعادة تأكيد على التزامات لبنان الرسمية، فالنص واضح لا لبس فيه، إذ يحدد الجهة الشرعية المخولة حمل السلاح ضمن حدود الدولة، بينما يشدد على ضرورة وقف كل العمليات العسكرية. لكن كما كان متوقّعاً، يعتبر “الحزب” كل الاتفاقيات الدّولية، والدساتير “Menu A la carte”. من هنا، كانت مطالبة النائب إبراهيم الموسوي الحكومة اللبنانية بتصحيح ما وصفه بتشويه الحقائق والإضرار بالمصلحة الوطنية، كذلك جاء بيان المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رداً على سلام، معتبراً فيه أن “سلام رئيس حكومة بلد حررته المقاومة وما زالت تدافع عن وجوده وسيادته وكيانه بكلّ ما أُوتيت من قوة وتضحيات”.

يبدو أنّ الموقف السياسي اللبناني يصعب فهمه ممن اعتاد اللّغة “الإيرانيّة” و”السورية البعثيّة”. يؤلم تصريح حكومي وازن من دون إذن من اعتاد أن يكون وصيّاً على القرار السياسي والأمني، من لا ينطق إلا بما يوافق هوى محور الممانعة؛ فتصبح الإضاءة على مشكلة جوهرية من أجل تصويب الحلول، تهدد استقرار لبنان وتضعه في دائرة الخطر.

أليس هؤلاء أنفسهم من ينتقدون اليوم كل موقف ضدّ سلاحهم، من باركوا اتفاق وقف إطلاق النار في حكومة سابقة؟ أليسوا هم من وافقوا عليه بصمت حين حمى رؤوسهم وأوقف حرباً أنهكتهم؟ أليسوا هم من أعطوا الثقة للبيان الوزاري لحكومة سلام والذي لا يأتي على ذكر معادلة “شعب جيش مقاومة” بل يذكر حصريّة السلاح بيد القوى الشرعيّة؟

أيُعقل أن كل الدول التي تحترم تعهداتها الدولية على خطأ، وهم وحدهم أصحاب “المقاومة الحصرية” و”الانتصارات الإلهيّة” على صواب؟ تكمن المفارقة  في أن “الحزب” الذي يطالب “بتصحيح مسار الحكومة”، هو نفسه الطرف الذي يحتاج إلى مراجعة جذرية لمواقفه. فإذا كان الالتزام “بالاتفاق” يُعدّ مساراً خاطئاً بعد أن وافق هو عليه، فما هو إذاً المسار الصحيح؟ هل إبقاء لبنان ساحة مفتوحة للتجاذبات الإقليمية هو الحل؟

المسار الذي يحتاج إلى تصحيح فعلي، هو مسار ذاك “الحزب” الذي يتنصل مراراً من مقتضيات الاتفاق، تارة بتبريراته حول “الحق في المقاومة ما دامت إسرائيل لم تنسحب بعد” (كأنّ ما تسمّى المقاومة أثبتت فعاليّتها، ولم تكن هي من جرّت لبنان إلى احتلال جديد)، وطوراً عبر خلق وقائع ميدانية تتناقض مع روح الاتفاق، وصولاً إلى تشتيت اللبنانيين “بشمال وجنوب الليطاني”، الأمر الذي يُعتبر تضليلاً للرأي العام بحيث أن الاتفاق لحظ بشكل واضح نزع السلاح غير الشرعيّ من كل لبنان.

في الأمس، تفرّد “حزب الله” بالقرار وتسبّب بحرب غير مدروسة، بينما قالت له غالبيّة اللبنانيين: “لا لهذه الحرب، التزم القرارات الدولية”، لم يتجاوب وكانت النتيجة كارثيّة. اليوم، ومن جديد يرفض النصيحة غير مدرك أنّ عدم معالجة المشكلة الجوهريّة في لبنان قد تدفع مرّة أخرى نحو سيناريوات كارثية، ومخاطر لا تحمد عقباها. (أو ربّما يدرك، وهذا ما يتمنّاه فعلياً للبنان). الإصرار على إبقاء حالة الاشتباك القائمة، مع ما يرافقها من غموض في القرار العسكري، لا يمكن أن يكون خياراً مستداماً لدولة تسعى إلى ترسيخ سيادتها واستعادة دورها الطبيعي في محيطها الإقليمي والدولي.

في المحصّلة، لا يحتمل لبنان مزيداً من التوترات والمواجهات العبثية. ولن يتسامح المجتمع الدولي إلى الأبد مع حالة المراوحة في تنفيذ الالتزامات، وبات اللبنانيون أنفسهم أكثر وعياً بأن استمرار الوضع القائم لا يخدم إلا أولئك الذين يراهنون على إبقاء البلاد في حالة استنزاف دائم.