IMLebanon

3 مسارات أمام قضية إمام أوغلو

حملت المواقف الصادرة عن حزب “الشعب الجمهوري” المعارض في تركيا بعد أمر القضاء باعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، نبرة تحدٍ كبيرة، واستهدفت على وجه الخصوص الحكومة والرئيس رجب طيب إردوغان.

انعكست هذه النبرة أولا من الإعلان عن إمام أوغلو كمرشح رئاسي بعد ساعات من تثبيت اعتقاله، وثانيا من خلال الكلمات التي كتبها رئيس البلدية بنفسه، وتلك التي أدلى بها زعيم “الشعب الجمهوري” أوزغور أوزيل، عندما قال، الأحد، إن “الانتخابات المبكرة أصبحت أمرا لا مفر منه”.

ويقول الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، لموقع “الحرة”، إن ترشيح إمام أوغلو كمنافس على منصب الرئاسة كان “أمرا متوقعا، يهدف لتعزيز التصور بأن ملاحقة رئيس البلدية بمثابة اضطهاد سياسي”.

كما أن حزب “الشعب الجمهوري” يهدف من وراء هذا الترشيح إلى “تصدير بُعد المنافسة الرئاسية على قضية إمام أوغلو لرفع التكاليف على إردوغان”.

ويعتبر الباحث أن “الترشيح يعني أن تركيا دخلت معركة سياسية طويلة الأمد”.

ويتابع: “إنها معركة وجودية لكل من إردوغان وحزب الشعب الجمهوري، والتراجع فيها ينطوي على مخاطر عالية بقدر أكبر من مخاطر خوضها حتى النهاية”.

والأمر القضائي الذي قضى باعتقال إمام أوغلو، الذي ينظر إليه منذ سنوات كمنافس بارز لإردوغان على منصب الرئاسة، جاء بعد 4 أيام من اعتقاله، بتهم تتعلق بـ”الفساد” و”الإرهاب”.

شنت الشرطة التركية حملة مداهمات اعتقلت خلالها عددا من الصحفيين فجر الإثنين، بما في ذلك المصور الصحفي البارز بولنت كيليتش ومراسل وكالة فرانس برس ياسين أكجول، وفق مراسل الحرة.

وفي حين تم رفض طلب اعتقاله بالتحقيقات المتعلقة بـ”الإرهاب”، أصدر القضاء أمرا بسجنه على خلفية تحقيقات الفساد التي تلاحقه.

وفي أعقاب نقله، الأحد، مع العشرات من المقربين منه إلى سجن سيلفري، أعلنه الحزب الذي ينتمي إليه (الشعب الجمهوري) “كمرشح رئاسي”، وذلك بعد انتخابات تمهيدية تم تحديد موعد تنظيمها، قبل حادثة الاعتقال.

وقال أوزيل إن عدد الأصوات التي حصل عليها إمام أوغلو تجاوزت 14 مليونا و850 ألف صوت؛ وأضاف أن هذه النتائج أدت إلى “التشكيك في شرعية إردوغان، وجعلت الانتخابات المبكرة أمرا لا مفر منه”.

وبدوره كتب إمام أوغلو رسالة عبر “إكس”، ورد فيها: “أُرسل تحياتي إلى الملايين الذين يهتفون في ساراتشانه وفي الساحات في جميع أنحاء بلدي. سيأتي صندوق الاقتراع، وستُوجه الأمة صفعة لا تُنسى لهذه الحكومة”.

“عامل الوقت”

ويعتقد الباحث السياسي التركي، علي أسمر، أن ترشيح إمام أوغلو داخليا في “الشعب الجمهوري”، هو شأن يخص الحزب وحده، ولا يترتب عليه أي أثر قانوني أو رسمي من قبل الحكومة أو الهيئة العليا للانتخابات.

يتوجه أعضاء حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا وآخرون إلى مراكز اقتراع، الأحد، للمشاركة في تصويت تمهيدي للحزب لدعم ترشيح رئيس بلدية إسطنبول المحتجز أكرم إمام أوغلو، في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ولا تعترف الهيئة العليا للانتخابات بهذا الترشيح، إلا إذا استوفى المرشح جميع الشروط المطلوبة، ومن بينها حيازة شهادة جامعية.

وكانت جامعة إسطنبول قد سحبت الإجازة الجامعية من إمام أوغلو قبل يوم واحد من اعتقاله، بعد قضية فتحت ضده بدعوى “التزوير”.

ويقول أسمر لموقع “الحرة”: “على أساس ذلك.. من الأفضل للمعارضة أن تدرس خياراتها بعناية وتستعد بمرشح بديل تحسبا لأي طارئ”.

وفي حال اقتنع الناخب التركي بأن الاتهامات الموجهة لإمام أوغلو “باطلة”، فمن المرجح أن يعبر عن موقفه في صناديق الاقتراع عبر دعم مرشح المعارضة، أيّا كان.

ومن جهة أخرى، فإن النظام القضائي في تركيا معروف بطول أمد إجراءاته، مما يعني أن التطورات القانونية المتعلقة بالقضية قد تمتد لأشهر أو حتى سنوات، حسب الباحث التركي.

وحتى إن استمرت عملية التحقيق والمحاكمة، فمن المرجح أن يُحكم على إمام أوغلو بالسجن لفترة زمنية معينة نتيجة لقرار المحكمة، كما يشير الصحفي التركي، إبراهيم أباك لموقع “الحرة”.

حادثة اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، فجر الأربعاء، تنظر إليها الأوساط السياسية في تركيا على أنها هزة كبيرة وحساسة، لاعتبارات تتعلق بالتوقيت الذي جاءت فيه، ونظرا لخلفية الشخص المستهدف، وهو الذي وضع منذ سنوات قبالة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان كـ”منافس” رئاسي محتمل له.

ويعود أباك إلى الوراء، ويشير إلى أن إردوغان سبق أن حُكم عليه بالسجن في تركيا عام 1998، بسبب إلقائه قصيدة في منطقة سيرت. وقضى حينها وقتا في السجن قبل أن يحظى برئاسة إسطنبول في تلك الفترة.

وفي حين أن حالة إردوغان تختلف قليلا عن الحالة الخاصة بإمام أوغلو، يرى الصحفي أن الأخير “قد يواجه أوضاعا أكثر صعوبة خلال الأيام المقبلة”.

“3 مسارات”

تذهب غالبية المواقف التي أطلقها مسؤولو “الشعب الجمهوري” حتى الآن باتجاه أن ما حصل هو “عملية انقلاب سياسي”.

في المقابل، تنفي الحكومة التركية ذلك. وقد ألمح إردوغان قبل أيام إلى أن أسباب ما يتعرض له إمام أوغلو ترتبط بالدعاوى والتحقيقات القضائية التي حركها أفراد من حزبه المعارض، في إشارة منه إلى وجود تصفية حسابات داخلية.

ويعتقد علوش أن مصير إمام أوغلو يتوقف على “3 مسارات” تؤثر على بعضها البعض.

الجانب القانوني للقضية، والذي يميل نحو الإدانة، ومدى قدرة إردوغان على تحمل ضغط الشارع الذي تقوده المعارضة، ومدى قدرة المعارضة على التكيف مع فكرة أن إمام أوغلو لا يمكن أن يعود كجزء من المشهد السياسي، كما يستعرضها الباحث.

ويشرح أن قضية إمام أوغلو “لا تمسه شخصيا أو حالته السياسية، إنها تمس تجربة حزب الشعب الجمهوري في الحكم المحلي”.

نظم موظفون ومحامون وأعضاء من حزب “الشعب الجمهوري” المعارض في تركيا، الأربعاء، احتجاجا أمام مبنى بلدية شيشلي بإسطنبول بعد اعتقال رئيس بلدية المدينة، أكرم إمام أوغلو.

و”يريد إردوغان أن يظهر أن هذه التجربة لم تفلح سوى في الفساد، ولذلك يدرك أوزغور أوزيل هذه “الأبعاد” ويسعى لاستخدام الشارع بقوة في مواجهة مع دولة يطغى عليها البعد القانوني”، وفق علوش.

ورغم أن قاعدة “الشعب الجمهوري” تضع إمام أوغلو في الصدارة فيما يخص ترشيحه، فإن التغييرات داخل الحزب والظروف السياسية قد تُغيّر هذا الوضع، وفقا للصحفي التركي، أباك.

ويعتقد أباك أن العملية القضائية وفي حال سارت بشكل واضح فقد يتضح الموقف قليلا بعد أن يُعرف القرار الذي سيصدر بحق إمام أوغلو.

ويتابع: “على ما يبدو، فإن من المرجح أن يضطر الشعب الجمهوري إلى التركيز على مرشح آخر للرئاسة في الانتخابات المقبلة”.

هل تذهب تركيا لانتخابات مبكرة؟

لا يزال المتظاهرون المناصرون لإمام أوغلو يتجمعون بكثرة في محيط مبنى البلدية بإسطنبول.

وخاض أفراد الشرطة التركية مواجهات مع هؤلاء المتظاهرين، ليلة الأحد.

جاء ذلك بعد دعوات وجهها زعيم “الشعب الجمهوري” أوزيل للنزول إلى الشوارع، في تحدٍ منه للحظر الذي تفرضه السلطات، منذ 5 أيام.

ولا يعرف حتى الآن المسار الذي سيسلكه “الشعب الجمهوري” في المرحلة المقبلة.

كما لا تعرف مآلات وحدود المعركة السياسية القائمة، التي وصلت، الأحد، إلى حد الإعلان عن إمام أوغلو كمرشح رئاسي مع الحديث عن الانتخابات المبكرة.

ويلزم توجه البلاد إلى إجراء انتخابات مبكرة، الحصول على 360 صوتا في البرلمان التركي، وهو ما لا يملكه “الشعب الجمهوري”، وأكده أوزيل بنفسه، قبل أشهر.

يتوجه أعضاء حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا وآخرون إلى مراكز اقتراع، الأحد، للمشاركة في تصويت تمهيدي للحزب لدعم ترشيح رئيس بلدية إسطنبول المحتجز أكرم إمام أوغلو، في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويعتبر أسمر أنه “لا يبدو أن هناك مؤشرات على إجراء الانتخابات المبكرة خلال العامين المقبلين، إذ أن الحكومة التركية منشغلة بملفات دولية حساسة، مثل الأزمة السورية، والحرب الروسية الأوكرانية، والقضية الفلسطينية”.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن عدم تعيين “وصي” على بلدية إسطنبول، من شأنه “تهدئة الأوضاع تدريجيا، وهو ما يبدو الاتجاه الحالي”، حسب أسمر.

ويضيف الباحث: “من الملاحظ أيضا أنه في يوم المحاكمة، لم تشهد الليرة التركية هبوطا حادا كما حدث يوم الاعتقال، كما لم نشهد حضور قادة المعارضة في (الطاولة السداسية) أمام مبنى المحكمة في منطقة سراج هانا، مما يشير إلى أن وتيرة الاحتجاجات ستتراجع بمرور الوقت”.

لكن في حال قررت الحكومة التركية تعيين “وصي” على بلدية إسطنبول من جانبها، فمن المحتمل أن تشهد البلاد موجة احتجاجات واسعة وأعمال شغب، وهو سيناريو يبدو مستبعدا في المرحلة الراهنة، كما يعتقد الباحث التركي.

من جهته، يرى علوش أن “تركيا دخلت حقبة عالية من الاستقطاب السياسي الداخلي. وقضية إمام أوغلو ستعيد تشكيل السياسة الداخلية على نطاق واسع”.

وإذا وجدت المعارضة صعوبة في دفع الحكومة إلى التراجع، فإنها ستلجأ إلى استثمار المواجهة للمطالبة بانتخابات مبكرة، على اعتبار أن الاستقطاب أصبح “حول شرعية إردوغان”.

ويتابع الباحث أن “مثل هذا الاتجاه هو الأكثر ترجيحا، رغم أن مسألة الانتخابات المبكرة وتوقيتها يتعلقان بحسابات إردوغان على أكثر من صعيد”.