IMLebanon

إيران والعدّ التنازلي لنهاية “الثورة الإسلامية”

كتب جوزف حبيب في “نداء الوطن”:

تقترب إيران بسرعة فائقة من بلوغ نقطة الانفجار الداخلي نتيجة تراكم سياسات سياسية ودبلوماسية وثقافية واجتماعية واقتصادية ومالية وعسكرية… سيّئة وفاشلة وكارثية. المجتمع الإيراني أضحى يئنّ تحت أعباء معيشية جسيمة مع استمرار “سقوط” شرائح واسعة دون خطّ الفقر شهرياً وسط تدهور اقتصادي وهبوط قياسي بسعر صرف العملة المحلّية مقابل الدولار الأميركي. صحيح أن إيران بعد 16 أيلول 2022، يوم مقتل “أيقونة” ثورة “امرأة، حياة، حرّية” مهسا أميني، لم تعد كما كانت بعد نجاح “الثورة الإسلامية”، بيد أن الإيرانيين اليوم أصبحوا أكثر جرأة في مهاجمة نظام الملالي علانية من أي وقت مضى، وبازار طهران الكبير، حيث يُعبّر التجار عن رأيهم بالوضع المزري الذي وصلت البلاد إليه، شاهد على ذلك.

نظام الجمهورية الإسلامية يتوجّس من خطورة الوضع الداخلي الذي يُهدّد وجوده برمّته، ما يدفعه إلى “التهدئة” مع “المقاومة الإيرانية” الصلبة والمتزايدة لشرائعه الجامدة وقوانينه الرجعية، وما إلغاء “مجلس الشورى الإسلامي” دوريات “شرطة الآداب” بشكل كامل أخيراً، إلّا تأكيداً على جدّية مخاوف طهران من الغضب الشعبي المتنامي وسط نيران التضخم الحارقة. خطوات السلطات لتنفيس الاحتقان الأهلي تجاه الملالي، قد تمكّن طهران من شراء بعض الوقت الثمين بالنسبة إليها حالياً، إلّا أنها لا تعالج المعضلة المستعصية التي تواجهها، علماً أن الكثير من غلاة المتزمّتين دينياً ممتعضون من تقديم أي تنازل يمسّ بأسس النظام الإسلامي ورموزه، ويعتبرون “تراجع” النظام بمثابة “طعنة” لـ “الثورة الإسلامية”.

يُجمع الخبراء على أن إيران استحالت قاب قوسين أو أدنى من اندلاع احتجاجات شعبية عارمة من المتوقّع أن تفوق في حجمها وانتشارها وحدّتها، تلك التي تفجّرت عام 2022، لكنها ستستكمل “ثورة الحرّية” التي قمِعَت ببطش “الباسيج” وأنصار النظام وبقيت متّقدة في قلوب الثائرين على “الهيكل العفن” الذي دقّت ساعة تصفية الحساب معه وهدمه فوق رؤوس أصحابه، كما يؤكد المعارضون. ويرى الخبراء أن النظام ليس بالقوّة والشرعية التي كان عليها سابقاً، مؤكدين في الوقت عينه أن اسقاطه ليس سهلاً و”كلفة الدمّ” قد تكون باهظة.

يوضح الخبراء أن الرهان يبقى على حصول انشقاقات واسعة ومؤثرة داخل النظام مع استعار الحراك الثوري المرتقب، ما يرفع احتمالات سقوطه المدوّي ويُسرّع مثل هكذا سيناريو، مشيرين إلى دور كبير قد يؤدّيه الجيش الإيراني في اللحظات الحرجة، إذا ما كان كبار ضبّاطه على قدر المسؤولية التاريخية تجاه شعبهم وأمنه. لكنهم يُحذّرون من غرق البلاد في اقتتال أهلي حال تغوّل آلة قتل الملالي بدماء الإيرانيين من دون القدرة على إطاحة النظام، الذي له أنصاره المستعدّون للموت من أجل بقائه، ولو على حساب تدمير البلاد وحرق مستقبل أجيالها.

تتشدّد إدارة ترامب بتطبيق حملة “الضغوط القصوى” ضدّ طهران، ما يزيد من طين هشاشة الاقتصاد الإيراني بلّة، لكن بلاد “العم سام” تحرص على توفير فرصة لطهران لإبرام اتفاق نووي جديد يرفع عنها عبء العقوبات الثقيل. وعلى الرغم من رفض المرشد الأعلى علي خامنئي الدخول في مفاوضات يعتبرها مخادعة ومضيعة للوقت مع الأميركيين، إلّا أن طهران أبدت رغبتها بتفاوض “غير مباشر” مع واشنطن، فيما يجزم الخبراء بأن قادة إيران أمام خيارَين صعبَين، فإمّا إعطاء جواب إيجابيّ على “رسالة ترامب” والذهاب إلى طاولة المفاوضات من موقع ضعيف حيث سيُملي الأميركي شروطه القاسية، وإمّا انتهاج سياسة “التعنّت القاتل” والتعرّض لموجات متتالية من العقوبات الأميركية الصارمة، التي ستُلهب الشارع في وجه النظام عاجلاً وليس آجلاً.

يشرح الخبراء أن طهران قد تُحرَج بمطالب واشنطن التعجيزية على طاولة المفاوضات وتغدو في وضعية لا تُحسد عليها، فإن رفضتها تقلّصت أمامها نوافذ الحلول الدبلوماسية وعرّضت نفسها لجولة عقوبات موجعة، وإن رضخت لها تكون قد رفعت الراية البيضاء وما يترتّب عن ذلك من تداعيات داخلية وإقليمية دراماتيكية، مشدّدين على ضرورة عدم إغفال “الخيار العسكري” في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، خصوصاً بعدما صارت الجمهورية الإسلامية مكشوفة جيوستراتيجياً وعسكرياً أمام عدوّتها اللدود إسرائيل، التي نجحت في تفكيك “إمبراطورية فيلق القدس” وتحييد التهديدات التي كانت تطوّقها إلى حدّ كبير.

تقف إيران، رجل الشرق الأوسط المريض الذي يُنازع على “حلبة المنطقة”، أمام استحقاقات بالغة الخطورة على مستقبل نظامها. تجد طهران نفسها عالقة بين مطرقة العقوبات الأميركية الخانقة وسندان النقمة الشعبية المتصاعدة. يحسم الخبراء ألّا إمكانية لإصلاح الأنظمة الثيوقراطية، وتالياً لا مجال لإيران للمضي نحو غدٍ مشرق سوى بخلعها “عباءة الملالي” وارتدائها “حلّة حضارية” تستطيع مواكبة تحدّيات العصر، معتبرين أن الكلمة الفصل تبقى بيد الشعوب الإيرانية من الفرس والأذريين والكرد والعرب والبلوش وغيرهم، فمتى قرّروا قلب الطاولة على الملالي ينطلق العدّ التنازلي لنهاية حقبة انتصرت في 11 شباط 1979 بـ “ثورة إسلامية” أدخلت البلاد في ظلمة حالكة. المعارضون الإيرانيون متفائلون بأنّ النظام يعيش أيّامه الأخيرة، فهل يكون خامنئي آخر مرشد أعلى للبلاد؟