IMLebanon

رهان “الحزب” على متغيّرات بلا أفق

كتب سعد الياس في “القدس العربي”:

لم يمر أسبوع على آخر إطلاق لصواريخ من شمال نهر الليطاني في اتجاه الأراضي الفلسطينية حتى تكرر المشهد من جديد بطريقة تثير الريبة لمعرفة حقيقة من يقف خلف إطلاق هذه الصواريخ في ظل نفي «حزب الله» مسؤوليته وعلاقته بها.

وعلى الرغم من إجراء قيادة الجيش تحقيقاً في المسألة إلا أنها لم تكشف عن أي معلومات حول الطرف الذي أقدم على إطلاق تلك الصواريخ التي وصفها المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بأنها «لعبة صواريخ مزيّفة»، ساخراً من اللجنة الخماسية التي هي في رأيه «أسوأ ضامن»، مؤكداً «أن لعبة هزيمة لبنان لن تمر».

ويأتي إطلاق هذه الصواريخ في وقت أعاد أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم التأكيد «أن المقاومة مستمرة وتعمل حيث تستطيع أن تعمل وهي خيار ثابت وتتحرك بحكمة»، معتبراً «أن إسرائيل لم تحقق أهدافها في إنهاء المقاومة ولم تتمكن من الوصول إلى الليطاني».

غير أنه بين تصريح قبلان وتصريح قاسم فإن إطلاق بضعة صواريخ بدائية أياً كان مَن أطلقها، لن يغيّر شيئاً في المعادلة ولن يفرض قواعد اشتباك جديدة كتلك التي كانت قائمة قبل «طوفان الأقصى» وقبل «جبهة إسناد غزة» بل سيجلب المزيد من الكوارث على لبنان وبيئة «حزب الله» التي عادت لتدفع الأثمان الغالية، فيما «الحزب» يتجاذبه أكثر من جناح، بعضه يؤيد مكرهاً الانخراط في الدولة والتحول إلى حزب سياسي، وبعضه الآخر يراهن على الوقت وتغيّر الظروف وعدم الاستعجال في التسليم بخيار الدولة لعلّ تبدّل الظروف تتيح له الاحتفاظ بالسلاح ومعاودة فرض هيمنته على القرار اللبناني.

لكن رهان «حزب الله» على المتغيرات يبدو بلا أفق، إذ تأخذ الولايات المتحدة الأميركية على عاتقها تفكيك «وحدة الساحات» من خلال إخراج الذراع الأقوى لإيران من الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته وضمناً اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل، في وقت تأخذ فرنسا والسعودية على عاتقهما إخراج الذراع إلايرانية من الحدود بين لبنان وسوريا، وضبط الأمن والاستقرار وترتيب العلاقة بين بيروت ودمشق مع ما تعنيه هذه الخطوة من انتهاء زمن السيطرة الإيرانية على بعض العواصم العربية.

كل هذه المستجدات تجعل «حزب الله» في حال تخبّط في غياب أمينه العام السابق السيد حسن نصرالله وتعدد مراكز القوى في داخله. وهو غير راض على الحزم الذي يظهره العهد حول احتكار الدولة للسلاح، لكنه يطمئن إلى ربط مصير السلاح شمال نهر الليطاني بما يسمى «إستراتيجة أمن وطني» وهذا ما يعتقد أنه يمنحه بعض الوقت لعدم التقيد بالقرار 1701 وتكرار ما فعله بعد حرب تموز 2006. إلا أن «الحزب» أزعجه موقف رئيس الحكومة نواف سلام الذي خلافاً لرئيس الجمهورية قال بوضوح «إن شعار شعب جيش مقاومة، أصبح من الماضي والبيان الوزاري يشدد على حصر قرار الحرب والسلم بيد الدولة».

من هنا، يتحيّن «الحزب» الفرصة تلو الأخرى للوقوف ضد توجهات الرئيس سلام وآخرها في جلسة مجلس الوزراء التي شهدت كباشاً بين سلام وبين رئيس الجمهورية العماد جوزف عون حول تعيين حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، فاختار التصويت مع رئيس الجمهورية لتوجيه رسالة معبّرة إلى الرئيس سلام ودفعه إلى الاستقالة ولاسيما بعد التسريبات التي سبقت تعيين حاكم مصرف لبنان بأن سلام يلوّح بالاستقالة في حال الإصرار على كريم سعيد.

إلا أن محاولة «حزب الله» اللعب على التناقضات بين سلام وعون لن تحقق مبتغاها لأن لا رغبة لدى العهد في الدخول في أي مواجهة مع رئيس الحكومة أو مع أي طرف سياسي آخر، علماً أن ما حصل في جلسة مجلس الوزراء وما سبقها من أجواء تظهر أن العلاقة بين الرئاستين الأولى والثالثة ليست على ما يُرام خصوصاً أن التسريبات صدرت عن مقربين من السرايا الحكومية من دون أن تنجح في فرملة تعيين الحاكم.

وقد أظهرت عملية التصويت وقوف رئيس مجلس النواب نبيه بري والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب إلى جانب رئاسة الجمهورية، كما أظهرت أن وزير الداخلية السني العميد أحمد الحجار الذي كان يراهن سلام على الوقف إلى جانبه اصطف إلى جانب الرئيس عون في مقابل وقوف الوزير الشيعي فادي مكي إلى جانب رئيس الحكومة.

وقد أخذ البعض على رئيس الحكومة أنه لم يعلن صراحة عن مرشحه إلى حاكمية مصرف لبنان وأنه كان عليه الأخذ بعين الاعتبار أن هذا المنصب ماروني وبالتالي تعود لرئيس الجمهورية الكلمة الراجحة في اختيار الحاكم مثلما له الكلمة الأساس في اختيار قائد الجيش، وتماماً مثلما كانت للرئيس سلام الكلمة الأساس في اختيار الوزراء السنة في الحكومة.

أكثر من ذلك، أُخِذ على رئيس الحكومة إصراره بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء التي أفضت إلى تعيين كريم سعيد على الإدلاء بتصريح يقول فيه «تحفّظت مع عدد من الوزراء على تعيين سعيد في ظل حرصي على حماية حقوق المودعين والحفاظ على أصول الدولة، ولكن مهما كانت تحفظاتنا على اختياره، عليه أن يلتزم منذ اليوم السياسة المالية لحكومتنا الإصلاحية». وقد أوحى هذا التصريح كأن رئيس الجمهورية والوزراء الـ 17 الذين صوّتوا للحاكم ليسوا حريصين على أموال المودعين وأصول الدولة.