كتب عيسى يحيى في نداء الوطن:
يشكّل مبدأ التوافق على مجالس بلدية وفق صيغٍ وأسس تحددها الأحزاب والعائلات كلٌّ وفق منطقته، أساساً يطغى على العملية الانتخابية في محافظة بعلبك الهرمل، على اختلاف مناطقها وفسيفسائها الحزبي والمذهبي، تسعى من خلاله بعض القوى إلى تجنب معارك انتخابية، وتظهير قوى أخرى صورةً جامعة تمنع من خلالها التسلل إلى ملاعبها والحفاظ على المشهد الجامع بعد كل الأحداث المتتالية.
تشكل منطقة دير الأحمر ببلداتها التسع أبرز تجمع لمناطق مسيحية في قلب البقاع الشمالي، ليس من حيث الموقع الجغرافي فحسب، بل لما تمثله من رمزٍ للتجذر والتعايش والفاعلية السياسية، إذ شكلت مع محيطها نسيجاً اجتماعياً متجانساً، وبنت قوتها الداخلية على ترابط عائلاتها، فكانت النموذج المضيء في قلب المشهد البقاعي، الذي يجمع بين وحدة أبنائه ومصلحة بلداتهم، والعلاقة مع البلدات الأخرى ذات التركيبة الطائفية المختلفة التي تقوم على المحبة والاحترام.
عبرت بلديات دير الأحمر بفعل سياسة رؤسائها وعمل اتحادها ومواكبة حزب “القوات اللبنانية” إلى ضفة الإنماء، وانتقلت معها المنطقة نحو التنمية المستدامة والاستقرار الذي يدفع الناس نحو الثبات في أرضهم، فكانت المؤسسات المحلية ممثلةً بالبلديات التي تعمل بالتنسيق والتكامل مع الكنيسة والقوى السياسية الفاعلة، واضعةً نصب أهدافها مصلحة ثماني بلدات تنضوي تحت لواء اتحاد بلديات دير الأحمر.
وفيما يتمتع حزب “القوات اللبنانية” بالشعبية الواسعة والوحيدة في المنطقة، يلعب إضافةً إلى دوره السياسي الذي نجح في إيصال نائب تمثيلي له عن المنطقة منذ العام 2018، دوراً محورياً في تفعيل العمل الإنمائي وتكريس مفهوم الدولة داخل مؤسسات البلديات، وبناء شبكة دعم شاملة للمجتمع المحلي.
أدار حزب “القوات” ملفات حساسة في دير الأحمر خلال السنوات الماضية، أبرزها ملف النازحين اللبنانيين الذين لجأوا إلى المنطقة إثر الحرب الإسرائيلية على لبنان في أيلول الماضي، حيث فتحت البلدات كنائسها ومدارسها ومنازلها لاستقبال أكثر من 12 ألف نازح، في مشهد قلّ نظيره، وتم هذا الاحتضان بتنظيم وتعاون لافت بين “القوات اللبنانية”، البلديات، والرهبانيات، ما أكسب المنطقة احتراماً إضافياً، وتقديراً محلياً.
على أبواب الاستحقاق الانتخابي في محافظة بعلبك الهرمل المزمع إجراؤه في الثامن عشر من أيار، تتجه “القوات اللبنانية” إلى تزكية خيار التوافق في البلدات الثماني المنضوية تحت اتحاد بلديات دير الأحمر وهي: دير الأحمر، عيناتا، برقا، بشوات، الزرازير، نبحا، القدام، بتدعي، إضافة إلى شليفا التي لا تقع ضمن نطاق الاتحاد، وذلك وفق قواعد وأسس يضعها الحزب أساس مدماكها الكفاءة والخبرة، واختيار العائلات للأفضل منها، فالانتماء الحزبي لا يمكنه أن يكون عائقاً، كون المنطقة ذات حضور سياسي صافٍ لـ”القوات”، كذلك يعمل على تقريب وجهات النظر بين العائلات، وتسهيل اختيار ممثلين قادرين على خدمة الناس بعيداً من الحسابات الضيقة.
ما لم تستطع الدولة تحقيقه عبر تعديل قانون الانتخابات البلدية والاختيارية، وعدم الإكتفاء بسقف من يجيد القراءة والكتابة ليكون أهلاً للترشح، تعمل عليه “القوات اللبنانية” في بلدات دير الأحمر، حيث تسعى للمواءمة بين المتعلمين وأصحاب الخبرة والشراكة مع الشباب، لتكون منطلقاً أساسياً للتوافق، كذلك تكريس منطق الأنسب للمرحلة، واعتبار البلديات مؤسسات لخدمة الناس لا منصات للصراعات، من دون إغفال التمثيل الأنسب للعائلات وفق عديدها الانتخابي، ودفعها نحو تقديم من تراه مناسباً للمهمة.
على مرّ المرحلة الماضية، أظهرت تجربة منطقة دير الأحمر رغم التحديات، أنها قادرة على تجاوز أزماتها بفضل تماسك مجتمعها المحلي، والدور التنظيمي لـ”القوات”، والمبادرات البلدية التي ترفض الاستسلام. وعليه تستمر المساعي خلال الانتخابات القادمة للعمل بالروحية التوافقية ذاتها، لتبقى المنطقة نموذجاً في كيفية إدارة التنوع والشأن المحلي، وتفعيل الحضور السياسي في خدمة التنمية لا الخصومة، وتكون الكفاءة جواز عبور إلى المجالس البلدية.