Site icon IMLebanon

السلاح شمال الليطاني في خدمة الملف النووي

كتب العميد الركن خالد حمادة في “اللواء”:

ساعات قليلة فاصلة، بين ما أدلى به المسؤولون إثر اجتماعهم بمورغان أورتاغوس وما سمعه اللبنانيون من الموفدة الأميركية، كانت كافية لجلاء حال الإنفصام التي تعانيها الإدارة السياسية في لبنان. وضع المسؤولون أنفسهم في موقع الإملاء على الزائرة الأميركية وأسمعونا ما يرغبون بإقناعنا به، متجاهلين أن ما يحصل في بيروت ليس سوى ترجمة لميزان قوى أنتجته حرب الإسناد وما سبقها من مغامرات الزج بلبنان في آتون الصراعات الإقليمية والدولية. الثوابت الأميركية لمرحلة ما بعد اتّفاق وقف إطلاق النار ـ التي كررتها أورتاغوس والتي تبدأ بالإنتهاء من نزع سلاح حزب الله ودعوتها الى عدم الرهان على المفاوضات بين واشنطن وطهران ـ تؤكد جميعها حجم المخاطر المحدقة بلبنان واستحالة الإستمرار في سياسة الرهان على الوقت.

لقد تزامنت إبان الإدراة الأميركية السابقة وخلال حرب الإسناد زيارات الموفدين الأميركيين مع تهدئة في الوضع الميداني، مما كان يعني في حينه أولوية تلك الإدارة في المحافظة على ستاتيكو  إيراني أميركي يعبّر عنه الثنائي إيران – إسرائيل، وعدم الرغبة في الإنتقال إلى مرحلة جديدة. إنقلاب الإدارة الجديدة على الستاتيكو السابق أصبح واضحاً، حيث تتزامن الضربات الإسرائيلية الميدانية حالياً مع الحضور الدبلوماسي الأميركي بل تستمد زخمها منه. وبالمقابل تشكّل هذه الضربات عيّنة من نموذج أميركي لما سيكون عليه الوضع في حال فشل المسعى الدبلوماسي. وهذا يعني أن المهارات اللبنانية المكتسبة من تجارب سابقة أصبحت خارج الصلاحية وأن إدارة الموقف الحالي بمنطق التسويات المعهودة قد أضحى متعذراً.

يبدو المشهد اللبناني مقفلاً أمام عدم القدرة على التكيّف مع الواقع الجديد، حيث تعجز الإدارة السياسية في لبنان عن اتّخاذ القرار بإعلان الإنفكاك عن طهران ليس بسبب التوجس من تداعيات ذلك على الإستقرار الداخلي فقط، بل بسبب عدم الرغبة في تهديد شبكة المصالح القائمة بوجهيها السياسي والإقتصادي، وما يعنيه ذلك على مستوى السيطرة على القرار الحكومي والتحالفات في الإستحقاقات الدستورية المقبلة. وبهذا المعنى يذهب الحكم في لبنان إلى خيار المراوحة في التعامل مع الإلزامات الدولية والإسراف في سرد المبررات بالرغم من ارتفاع مستوى المخاطر.

المشهد اللبناني هو جزء من مشهد متكرّر تُشكل طهران خلفيته الإقليمية. يتكرّر المشهد في غزة وإن بوتيرة أكثر دموية، عدوان مستمر ومفاوضات متعثرة تقف عند صيغ متقابلة لتبادل الأسرى والمساجين بين حماس والحكومة الإسرائيلية من دون أي اعتبار للدماء الفلسطينية ولأكوام الشهداء الذين يُحملون الى مدافن جماعية، وصواريخ تقليدية لكيلومترات محدودة عن حدود القطاع مجهولة الهوية تحاكي صواريخ الجنوب اللبناني، ولا تسهم سوى في استمرار المأساة.

وفي السياق عينه يعيش العراق على مشارف إقرار قانون «دعم الشعب العراقي في تحرير بلاده من النفوذ الإيراني» الذي تقدم به عضوا الكونغرس الأميركي «جو ويلسون» و«جيمي بانيتا». ويدعو المشروع لوضع استراتيجية تتضمن: تفكيك الميليشيات المدعومة من إيران وإلزام العراق بتصنيف الجماعات الرئيسية المدعومة من إيران كمنظمات إرهابية أجنبية. ويشمل القرار أيضاً فرض عقوبات على رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وقائد فيلق بدر هادي العامري، والعديد من المؤسسات الحكومية العراقية بموجب الأمر التنفيذي رقم 13438.

تتناغم ردود الفعل على القرارات الأميركية في لبنان والعراق وقطاع غزة على إيقاع ساعة الرمل الإيرانية، دوران في لبنان حول مسألة السلاح، وحكم مربك في العراق يسوّق لتنازلات من الحشد الشعبي لا تقارب التخلي عن السلاح، وصمت مقلق في غزة للإبقاء على سلاح حماس مهما بلغت الخسائر. وفي المقابل إصرار أميركي على منع طهران من امتلاك سلاح نووي ودلائل ومؤشرات ميدانية وحشود عسكرية في المنطقة تنذر بوقوع حرب وشيكة قد لا تتماشى مع وتيرة التفاوض التي ترومها طهران.

وبما يلاقي موقف طهران الحائر بين قبول التفاوض بالشروط الأميركية أو الذهاب نحو المواجهة القاتلة تصبح مخزونات الأسلحة في كل من لبنان وغزة والعراق جزءاً من المواجهة المرتقبة، ويصبح السلاح في شمال الليطاني وفي كل لبنان رهن ساعة الرمل الإيرانية وفي خدمة ملفها النووي.

FacebookWhatsAppXLinkedInShare