سيّدنا… إضرب الأرض بعصاك
سيّدي صاحب الغبطة الكاردينال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الجزيل الإحترام، ها هو لبنان يتسرّب من بين ايدينا كما ذرات الرمل تتساقط من يد القابض عليها. هذا اللبنان الذي هو هاجسكم. الذي تحملون همّه ليلاً ونهاراً، في حلّكم والترحال. الذي تعملون في سبيل إنقاذه دونما تردّد أو تباطؤ. سيّدي صاحب الغبطة منذ ما قبل الفراغ الرئاسي وغبطتكم تسعون حيث السعي ضرورة، وتعملون حيث العمل واجب، وتنبهون إذ التنبيه أبوّة. وتحذّرون إذ التحذير مسؤولية. والجميع يشهد لكم أنكم لم تتوانوا لحظة واحدة عن قول الكلمة الحق، وعن الشهادة لهذا الوطن الصغير المعذّب، المصاب بأمراض عديدة، ربّما كان الداء الأكبر بينها بعض من القيادات الهجينة التي لا تعرف فلسفة هذا الكيان، ولا تعي عظمة هذه الصيغة، ولا تدرك أبعاد هذا الميثاق… وهي القيم التي صنعت لبنان، كما شاءه الآباء المؤسسون وفي طليعتهم سَلَفَكم العظيم المثلث الرحمات البطريرك الياس الحويك…ثم بعد أكثر من عقدين الشيخ بشارة الخوري ورياض بك الصلح دون أن ننسى رفاقهما من القادة كبيري الهمة رفيعي القامة الوطنية ولا نعدّدهم بالأسماء خشية أن يفوتنا ذكر أحد من اولئك الأبرار الميامين. ونحن اليوم في المأزق: يا صاحب الغبطة. وأنتم لا تعوزون أي عنصر من العناصر الوطنية والدينية والثقافية وسواها مما تحلّى به أولئك الكبار، كي تبادروا الى حراك (يضاف الى حراككم شبه المتواصل) في سبيل الخروج من المأزق الكبير الذي نحن فيه… إن لبنان، يا سيدي، بات في »آخر اللائحة«… بعدما كان سيدها بات حيث لم يعد تحته تحت… عربياً وإقليمياً ودولياً بالطبع. هذا الوطن الذي نال استقلاله قبل دول هائلة الكبر في هذه القارة (يكاد عدد سكان وطننا يقل عن عدد سكان أحد أحيائها). هذا الوطن الذي كان سبّاقاً، حتى على الصعيد العالمي، في اعتماد الديموقراطية البرلمانية نهجاً وسراط حكم. هذا الوطن الذي أعطى المرأة حقوقها المدنية ناخبة ثم مرشحة قبل حتى الكثير من البلدان الأوروبية ذاتها. هذا البلد الذي عرف ازدهاراً تجاوز ما عرفته دول ذات ثروات طبيعية هائلة بما فيها النفط. هذا الوطن الذي كان ملجأ للمضطهدين، ومأوى للاجئين، وملاذاً للخائفين، وواحة للباحثين عن الأمان والطمأنينة (…). هذا الوطن يناديكم يا صاحب الغبطة أن أقدِمْ. إدْعُ الى مؤتمر مسيحي موسع تصدر عنه قرارات ملزمة يعقبه مؤتمر وطني شامل تصدر عنه مقررات وطنية تنطلق من مسلماتنا الدستورية والميثاقية… تتلوها شخصياً من على منبر الصرح الذي أعطي له مجد لبنان. وعندئذ يحق لكم يا سيدي أن تقول: اللهم فاشهد اني قد بلّغت… أولستم أنتم يا صاحب الغبطة من قال بالشركة والمحبّة، ويحمل في الإسم والفعل رمزية البشارة؟!.