يعيش مجلس الوزراء منذ الشغور الرئاسي حالة كباش سياسي بقفازات ناعمة، ادى الى تعطيل التوصل الى اتفاق على الآلية المطلوبة لتسيير عمل الحكومة على مدى الجلستين الماضيتين لمجلس الوزراء، من دون ان يؤدي ذلك الى انفراط العقد الحكومي. وكان الجميع يُضمر الحرص على استمرار الوفاق الحكومي في ظل الوضع الاقليمي والداخلي الراهن، كما ان جميع الافرقاء السياسيين متفقون على ان الحكومة تتمتع بكامل صلاحيات رئيس الجمهورية في غيابه وفق ما تنص عليه المادة 62 من الدستور، وبضرورة امتناعها عن اتخاذ قرارات تتعدى ما تمليه الحاجة الماسة، المتعلقة بالمصالح الوطنية العليا السياسية او الامنية او الاقتصادية، وعن ممارسة ما اقرته الاعراف بانه من خصوصية صلاحيات رئيس الجمهورية كالتفاوض على المعاهدات الدولية، اصدار العفو الخاص، اعتماد السفراء، توجيه الرسائل الى مجلس النواب، او احالة مشاريع القوانين اليه. لكن الكباش الدائر حاصل على «صلاحيات اخرى» اي تحديد الجهة المخولة توقيع مراسيم القوانين بعد اتخاذ القرارات بشأنها داخل المجلس، من دون ان يغيب هذا الاختلاف في الأروقة الحكومية والنيابية، وجهة نظر دستورية تشكك في ميثاقية وشرعية العمل الحكومي في ظل انتفاء الاسباب القاهرة التي تؤدي الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ما يمكن استنتاجه في هذا الإطار ان وجهات النظر لدى القوى السياسية تلتقي على ضرورة ولادة الآلية الانسب لتسيير العمل الحكومي من رحم النص الدستوري، وتساير في الوقت نفسه المرحلة السياسية الحالية، علما ان الشغور الرئاسي اعطى بعض القوى هامش المناورة والسعي الى الحصول على مكتسبات داخلية، في الوقت الذي حرصت قوى اخرى ابرزها رئيس الحكومة تمام سلام، على التاكيد «ان مرحلة الشغور آنية»، وليست هناك نوايا لاطالتها او الحصول على مكتسبات داخلية في ظلها، بل الهدف هو تمريرها بأقل خسائر ممكنة لجميع الافرقاء. في حين ان الآراء الدستورية تركز على ضرورة التقيد بميثاقية الشراكة والعيش المشترك التي نصت عليها الفقرة «ي» من مقدمة الدستور.
رزق
هذا الرأي يتبنّاه بوضوح المرجع الدستوري ادمون رزق لافتا الى«ان المادة 62 من الدستور تنص على ان صلاحيات رئيس الجمهورية تنتقل عند خلو الرئاسة وكالة الى مجلس الوزراء لاي علة كانت، والعلة هي اما القوة القاهرة كالحرب او سبب طارئ كالموت، كما ان اتفاق الطائف شدد في مقدمته على الشراكة بين المكونات الوطنية اللبنانية، واكد ان لا شرعية لاي سلطة تناقض العيش المشترك».
يضيف:» هنا يجب التمييز بين خلوّ الرئاسة لسبب طارئ وبين التفريغ المتعمد، وما يحصل اليوم هو حالة نقض للعيش المشترك، اذ لا يجوز لمجلس النواب مباشرة اي عمل قبل انتخاب رئيس للجمهورية، لان المجلس تحول الى هيئة ناخبة منذ اجراء الدورة الاولى للانتخابات، فهناك اخلاء متعمد في رئاسة الجمهورية وهذا يفقد السلطة القائمة شرعيتها، ومع احترامي لكل الآراء الدائرة حول صلاحيات مجلس الوزراء فرأيي من منطلق الوفاق الوطني والنص الدستوري يقول ان لا شرعية لسلطة تناقض العيش المشترك، وكلامي هذا ليس من منطلق شخصي والمطلوب هو تدارك الامر وعدم التلهي بالتنظير قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، حرصا على شرعية السلطات التي تحتم الحفاظ على الشراكة شرطا للشرعية»، وختم قائلا :»ليس المطلوب التمسك بالذريعة لابقاء النزاع وانما المفروض الالحاح في ملء الفراغ كي لا ينسحب على مؤسسات الجمهورية«.
على ضفة القوى السياسية تختلف الزاوية التي تنظر منها الى «الشغور»، وان كان الجميع يتفق على ضرورة التعامل مع هذه المرحلة تبعا لمعيار «الاستثناء والضرورة «، لكن تتنوع الآراء بين التمسك بتوقيع كافة الوزراء على القرارات المتخذة، وبين آخرين يعتبرون ان الحل هو في التوافق السياسي.
حوري
يلفت عضو كتلة «المستقبل« النائب عمار حوري الى «ضرورة التمييز بين امرين، الاول صلاحيات رئيس الحكومة، لجهة الدعوة الى انعقاد جلسة لمجلس الوزراء ووضع جدول الاعمال وهذا امر محسوم، وبين النقاش الذي يدور حول نقطتين، الاولى هي اطلاع رئيس الحكومة رئيس الجمهورية على جدول الاعمال، وقد استطاع الرئيس سلام معالجة هذا الامر من خلال توزيع جدول الاعمال قبل 72 ساعة من انعقاد الجلسة، اما النقطة الثانية فهي صلاحيات رئيس الجمهورية لجهة التوقيع على قرارات مجلس الوزراء، بين رأي يقول ان التوقيع يجب ان يكون من كافة الوزراء وبين آخر يعتبر ان التوقيع يجب ان يكون لرئيس الحكومة والوزير المختص، وبرأيي هذا النقاش سياسي وليس دستورياً والحل هو ايجاد اتفاق سياسي لتمرير هذه الفقرة، بغضّ النظر عمن يتحمل مسؤولية تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وأعتقد ان مصالح الناس الاقتصادية والمعيشية اهم وتستحق التوصل الى الآلية المطلوبة«.
عون
عضو تكتل «التغيير والاصلاح« النائب آلان عون يحرص على «عدم الدخول في جدل حول ميثاقية جلسات مجلس الوزراء»، فبرأيه «حين يحل الشغور الرئاسي يجب الأخذ بعين الاعتبار ان هذا الامر ليس أمرا عاديا، بل يجب العمل لايجاد معادلة تؤمن الضرورة والاستثناء الذي فرضهما الشغور، وهو متفائل بايجاد هذه المعادلة، لان لا احد من الاطراف لديه نيه التعطيل».
ويلفت عون الى ان «الدستور اناط صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الشغور بمجلس الوزراء مجتمعا وليس قسما منه، وبالتالي لا داعي للخوف من هذه القاعدة طالما ان الجو الذي يسود في العمل الحكومي هو جو وفاقي والمعروف ان من يعطل العمل الحكومي ليس اداء وزير منفرد بل اعتراض الكتل السياسية، وهذا ما لن يحصل في ظل التضامن الحكومي الحاصل ولا احد لديه نية التعطيل، وبالتالي فالتعاطي في هذا الموضوع وكأن هناك اعتداء على صلاحيات رئيس الحكومة غير دقيق».
عريجي
يوافق وزير الثقافة ريمون عريجي على»ان المنطلق للتوصل الى الآلية المطلوبة سياسي وليس دستوريا، فبرأيه «المرحلة استثنائية ومن الضروري التوصل الى حل، فالدستور ينص على ان صلاحيات رئيس الجمهورية تناط بالحكومة ويوقع الوزراء جميعا على القرارات المتخذة، لكن التوقيع شيء وكيفية اتخاذ القرار شيء آخر، والمهم ألا يؤسس الشغور لمرحلة ثانية تصبح فيها اناطة صلاحيات الرئيس بالحكومة أمرا عاديا«، ويشدد على ان «هذا لا يمكن تداركه الا من خلال تقطيع هذه المرحلة بالتشاور، وهذا ما حصل في الجلستين الماضيتين اذ جرت نقاشات عميقة وانطباعي الشخصي بأن الامور سائرة نحو الحل وفق آلية التشاور المسبق قبل اتخاذ القرارات«.
زعيتر
يمتنع نواب ووزراء حزب الله عن التطرق الى الآلية الأنسب لتسيير العمل الحكومي، في حين يفسر وزير الاشغال غازي زعيتر بأن «الدستور واضح لجهة الدعوة الى مجلس الوزراء ووضع جدول الاعمال، اما اتخاذ القرارات فتتم وفقاً لآليتين، الاولى تعتمد النصف زائداً واحداً وقرارات اخرى تتطلب الثلثين(التعيينات)، وما يتم النقاش فيه اليوم هو كيفية تدارك تعامل الوزراء باستنسابية تجاه قرارات قد لا تتوافق مع نظرتهم السياسية، فعندما تتخذ القرارات يجب الالتزام بها من قبل الجميع عملا بمبدأ التضامن الوزاري، وانا متفائل بقرب الوصول الى هذه الآلية لان الرئيس سلام قال صراحة انه لا يريد تفجير الوضع الحكومي، ويحرص على اتخاذ القرارات بالتفاهم مع كافة اعضاء مجلس الوزراء، اما القول «ان العمل الحكومي غير ميثاقي فليسمح لنا، بعض الدستوريين، فالنص الدستوري واضح ومجلس النواب هو من يحق له التفسير مع احترامنا الشديد للجميع«.