هبة المليار دولار المقدّمة من المملكة العربية السعودية الى الدولة اللبنانية والتي تُضاف الى هبة الثلاثة مليارات التي قُدّمت أيضاً للدولة، تحمل دلالات يجب أن لا تغفل عن اللبنانيين قيادة وشعباً وبكل فئاتهم وطوائفهم ومكوّناتهم، ولعلّ أهم هذه الدلالات هي أن هذه الهبة أو المكرمة من خادم الحرمين الشريفين قُدّمت الى الدولة اللبنانية ولم تُقدّم الى فئة أو مكوّن بعينه كما اعتاد عليه اللبنانيون حيث تقدّم الدول المساعدات والهبات الى جهات محدّدة داخل الدولة لدعمها وتقويتها في وجهها ولكي تتحوّل بإمكانياتها الى دويلة ضمن الدولة الشرعية مما أفقد لبنان توازنه وأصبح عرضة للاهتزاز عند أول مواجهة داخلية له، وكان بإمكان المملكة العربية السعودية وعاهلها الملك عبد الله بن عبد العزيز أن يحذو حذو غيره من الدول التي لا تخفي حرصها على لبنان وعلى شعبه من أي تحدٍّ أو تعدٍّ خارجي، ولكان لقي الشكر من هذا الفريق الذي قُدّمت إليه المساعدة أو الهبة، غير أن جلالته لم يسلك هذا الطريق الذي يعرف أبعاده وانعكاساته على الوضع اللبناني الداخلي، بل سلك كما مرات سابقة كثيرة، وقبل وبعد حرب تموز التي ألحقت اسرائيل أضراراً بلبنان وبنيته التحتية فكانت المملكة السبّاقة الى دعم الدولة اللبنانية والمساعدة على إعادة بناء ما هدّمه العدو الاسرائيلي من دون أن تسأل عن الجهة المستفيدة من تلك المساعدات، أو تأخذ أمر تنفيذ المساعدة على عاتقها بعيداً عن الدولة اللبنانية، كما فعلت إيران مثلاً، سلكت كما فعلت هذه المرة أسلوباً وطريقة أخرى تتلخص بتقديم المساعدة أو الهبة الى الدولة اللبنانية لكي تؤكد حرصها على لبنان كدولة ذات سيادة، ودعمها الدائم لهذه الدولة في كل الملمّات التي تمر بها.
واليوم كما بالأمس وكما قبل الأمس، يبادر الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما وجد الدولة اللبنانية تتعرّض لاعتداء خارجي، من مجموعة من التكفيريين والإرهابيين الذين أعلنوا الحرب عليها وحذّر الدول العربية والإسلامية من خطر هذا الإرهاب عليهم وعلى الإسلام الحنيف المعتدل والوسطي وبعدما سمع نداء قائد الجيش ودعوته الى الحكومة الفرنسية لكي تستعجل البدء بمد الجيش بالأسلحة التي يحتاج إليها لمواجهة الإرهاب ودحره أخذ المبادرة وقدّم مكرمة جديدة للدولة اللبنانية من أجل دعم الجيش، ومنحه الفرصة الكاملة لشراء الأسلحة التي هو بحاجة إليها لدحر الإرهاب الذي ضرب لبنان ولم يقدّمها الى فئة من اللبنانيين لكي تستقوي بها على الدولة الوطنية.
لقد أنعشت المبادرة الحكومة اللبنانية وبادرت بعد اجتماعها أمس باتخاذ قرار يفضي الى تقوية الجيش وكل الأجهزة الأمنية بتعيين أكثر من 14 ألف عنصر يقوى بها الجيش والقوى الأمنية الأخرى ويشكّلون ضمانة لها للوقوف في وجه من يحاول المساس بالدولة أو تهديدها.