حبسَت مباريات «المونديال» لكرة القدم 2014 التي انطلقت على ملعب «كورينثيانز أرينا» في ساو باولو البرازيلية أنفاسَ العالم، إلّا أنّ هذا الحدث الرياضي، على أهمّيته، لم يحُل دون متابعة التطوّرات الدراماتيكية في العراق والتدهور الأمني فيه نتيجة تمدّد «داعش» السريع في بعض مناطقه، ومحاولات الجيش العراقي تنظيم قوّاته مجدّداً لمواجهته. وفيما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أنّ كلّ الخيارات مطروحة لمساعدة العراق في مواجهة المسلّحين، وأنّ بلاده مستعدّة للتحرّك عسكرياً إذا ما استشعرَت خطراً يهدّد أمنَها القومي، اعتبرَت موسكو أنّ ما يجري في العراق يدلّ إلى فشل المغامرة الأميركية ـ البريطانية في سوريا، ولم يرَ حلف «الناتو» دوراً له في العراق. أمّا إيران فأعلنت أنّها ستتدخّل في الوقت المناسب لمحاربة الإرهاب في المنطقة والعالم.
وإزاء تمدُّد «داعش» في العراق، ووسط ترقّب انعكاسات حوادث العراق على الساحتين السورية واللبنانية، تخوّفت اوساط سياسية من احتمال تحرّك خلايا «داعشية» نائمة في لبنان. وتساءلت في هذا الإطار عن مصير مئات الجرحى من المسلحين السوريين الذين كانوا أُدخِلوا إلى المستشفيات اللبنانية تباعاً منذ بداية الحرب السورية وعولِجوا فيها ثمّ خرجوا منها من دون ان تُعرَف وجهتهم أو مستقرّهم. وأشارت هذه الأوساط الى أنّ الاجهزة الامنية والعسكرية متيقظة للامر، وهي تراقب كلّ المناطق، ولا سيّما منها المناطق التي نزحَ اليها السوريون نتيجة المعارك في بلادهم.
وفي هذا السياق، أكّدت مصادر وزارية لـ»الجمهورية» أنّ هناك استحالةً في إيجاد حلّ قريب لأزمة النزوح السوري، معتبرةً أنّ تفاؤلَ البعض بتوافر مثل هذا الحلّ هو بمثابة أضغاث أحلام، فهذه القضية معقّدة وطويلة أكثر ممّا يتصوّرها البعض، لأن جزءاً كبيراً من النازحين دخل بناءً لـ»إستدعاء» البعض من أصحاب الأغراض السياسية ضدّ النظام السوري.
سكّرية لـ«الجمهورية»
وأوضحَ عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب الوليد سكّرية لـ»الجمهورية» أن لا علاقة لـ»حزب الله» بالعراق نهائياً، فالعراق أكبر من إمكانات الحزب، وفيه حكومة وشعب مكوّن من 25 مليون نسمة». وشدّد على أنّ «داعش» خطرٌ على الجميع، وحان وقت إنهاء هذه الظاهرة الشاذة». ورأى «أنّ ما يحصل في العراق ستكون له تداعيات كبيرة على الوضع في المنطقة وعلى سياسات كلّ الدول، وفي مقدّمها السياسة الاميركية التي صنّفت «داعش» و»النصرة» منظّمات إرهابية». وأضاف: «سارعَت أميركا إلى تأليف حكومة في لبنان، دافعةً 14 آذار إلى الجلوس مع «حزب الله»، وإلى خطة أمنية لقطع الطريق على تمدّد «داعش» إلى لبنان، ولتجفيف البيئة الحاضنة للحركات الإرهابية فيه. لكنّها لم تسعَ إلى حلّ الأزمة في سوريا، فأبقَت النار فيها مشتعلة على رغم اقتناعها بأنّ إسقاط النظام أصبح من الماضي، وهذا ما يشكّل الأرض الخصبة لنموّ ظاهرة الإرهاب، ومنها «داعش»، ومكافحتها تبدأ بإطفاء النيران في سوريا عبر تسوية سياسية».
وإذ طمأنَ سكّرية إلى «أنّ لبنان لا يزال محصّناً حتى الآن، ما دامت القوى السياسية اللبنانية متوافقة، رغم تناقضاتها، على عدم السماح لتنظيم «القاعدة» بالدخول إليه وإيجاد بؤَر حاضنة له»، رأى «أنّ التوافق هشٌّ وليس صلباً، مُشبِّهاً الحكومة «بضراير تسكن مع بعضها البعض»، مشدّداً على أنّه «إذا لم تنطلق بفاعلية لإطلاق عجلة الدولة بكلّ أجهزتها على أسُس ثابتة فإنّ البناء سيبقى هشّاً».
آليّة العمل
وأمام تقدّم «داعش» في العراق، تراجعَ النقاش حول آليّة عمل مجلس الوزراء، فأرخَت مخاطر هذا التقدّم بثقلها على الجلسة الثالثة التي عُقدت في السراي الحكومي قبل ظهر أمس في مرحلة الشغور الرئاسي، وأخذَت الحيّز الأكبر من التداول السياسي. ولمّا انقسمَ الوزراء بين فريق فضّلَ عدم الدخول مباشرةً في جدول الأعمال (14 آذار) وآخر أصرّ على تحديد آليّة عمل المجلس كشرط أساس قبل البحث في جدول الأعمال (8 آذار)، اقترحَ رئيس الحكومة تمّام سلام بتَّ البنود التي لا تحتاج الى توقيع رئيس الجمهورية، أي البنود العادية. فوافقَه عدد من وزراء 14 آذار الرأي، لكنّ هذا الإقتراح سقط نتيجة إصرار فريق 8 آذار على الآليّة أوّلاً. وعندها طلب سلام استكمال مشاوراته خارج المجلس، وفي ضوء نتائجها يدعو الى جلسة جديدة لمجلس الوزراء.
جلسات أمنية ومالية
وفي الانتظار، رجّحت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» أن يدعو رئيس الحكومة مجلس الوزراء الى جلسات أمنية ومالية، بعدما حظيَ إقتراحه بموافقة الجميع. وأكّدت أنّ الأجواء خلال الجلسة «كانت إيجابية جداً»، وأنّ نقاط التوافق، خصوصاً حول درء المخاطر الأمنية طغت على أيّ خلاف، حيث أبدى الجميع حرصاً على حماية لبنان وعدم انفراطه واستمرارية العمل الحكومي فيه.
وتوقّعت المصادر أن يتمّ تسيير عمل الحكومة قريباً جدّاً لأنّ قراراً اتُّخذ على أعلى المستويات بعدم تعطيل الحكومة، لكنّ الإفراج عن الآلية هو في يد رئيس الحكومة، والمطلوب منه أن يستكمل جولة مشاورات واسعة مع جميع القوى السياسية بلا استثناء حتى لا يتكرّر ما حصل عند تأليف الحكومة حين اقتصرت المشاورات على جهات معيّنة من دون غيرها.
ريفي
وأوضح وزير العدل اللواء أشرف ريفي انّه طرح خلال الجلسة إمكانية عقد جلسة يحضرها الأمنيون والعسكريون لمواكبة التطوّرات». واعتبر أنّ «الأمن مطمئن في لبنان إنّما المرحلة تحتاج من الجميع الى جهد أكبر ووعي وسهر أكثر». وقال ريفي لــ»الجمهورية»: «في الحالات الطارئة والاستثنائية يعقد مجلس الدفاع الأعلى جلساته، وفي غياب رئيس الجمهورية الذي من مهمّاته دعوة مجلس الدفاع الأعلى إلى الاجتماع برئاسته سنعقد ما يشبه هذا المجلس وليس لدينا التعبير القانوني له، أمّا مجلس الوزراء فسيُدعى إلى الاجتماع في حضور الأمنيين والعسكريين».
وزير المال
وخلال الجلسة، قدّم وزير المال علي حسن خليل شرحاً كاملاً لمشروع قانون الموازنة ولسلسلة الرتب والرواتب، وأيّده مجلس الوزراء في الخطوات التي اتّخذها في مقاربة هذين الملفّين.
وقال خليل لـ«الجمهورية»: «وضعتُ مجلس الوزراء أمام الوقائع التي أملكها في تقدير النفقات والواردات، وأكّدت حرصنا الثابت على أن يكون هناك توازن بين الإنفاق وواردات الدولة، وأعطيت تفاصيل حول هذا الأمر». وأضاف: «على الرغم من عدم مناقشة آلية عمل الحكومة في جلسة اليوم (أمس)، إلّا أنّ حرص جميع القوى السياسية على عدم تعطيل العمل الحكومي سيرسم مسار الجلسات المقبلة، والتفاهم حول الآلية بات قريباً جداً».
بو صعب لـ«الجمهورية»
وقال وزير التربية الياس بوصعب لـ«الجمهورية»: «لم يعُد في استطاعتي كوزير تربية القيام بأيّ عمل مع هيئة التنسيق النقابية، ورفعتُ يديعن أيّ ضغوط يمكن ان تمارس على الأساتذة بالنسبة الى تصحيح الإمتحانات الرسمية وإصدار نتائجها، ولا نيّة لديّ لأن أقوم بأيّ عمل خارج هيئة التنسيق ومن دون التوافق معها، وأحمِّل المسؤولية في هذا الملف الى مجلس الوزراء ومجلس النواب. وقد اقترحت على رئيس الحكومة وكلّ القوى السياسية استقبال هيئة التنسيق النقابية والحوار معها، وسأسعى لتأمين هذه اللقاءات». وأضاف: «أبلغتُ إلى مجلس الوزراء أنّني لا أملك أيّ طريقة أخرى لإصدار النتائج، وقلتُ صراحةً: «إذا ما في سلسلة ما في نتائج».
وكشفَ بوصعب أنّ رئيس الحكومة وعده بإدراج ملفّ الجامعة اللبنانية المتعلق بتأليف مجلسها وتفريغ الأساتذة على جدول أعمال أوّل جلسة لمجلس الوزراء».
الإستحقاق الرئاسي
وعلى خطّ الإستحقاق الرئاسي، لم تسجّل الساعات الماضية أيّ جديد سوى ما يجري من اتصالات بعيداً من الأضواء بغية إحداث خرقٍ داخلي في هذاالملف.
وفي هذه الأجواء، أوفد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط امس وزير الصحة وائل ابو فاعور الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتناولَ البحث في اللقاء مقترحات يجمع حولها جنبلاط ردّات الفعل والأفكار استعداداً للقاء مرتقب قد يكون مطلع الأسبوع المقبل في باريس مع الرئيس سعد الحريري.
وذكرت المعلومات انّ الحريري الموجود في المغرب منذ نحو اسبوعين الى جانب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز يستعدّ للإنتقال الى باريس مطلع الأسبوع المقبل لعقد سلسلة من اللقاءات الخاصة بالإستحقاق الرئاسي، قد يكون بينها لقاؤه بجنبلاط للبحث في مخرج ما لم تتبلورعناصره بعد. ولوحظ أنّ ابو فاعور غادرَ بيروت امس إلى المغرب.
مرجع ديبلوماسي
إلى ذلك، نُقِل أمس عن مرجع ديبلوماسي رفيع في بيروت قوله «إنّ ما حصل في العراق في الأيام الماضية وضع كلّ الملفات الأخرى، ومنها الإستحقاق الرئاسي اللبناني، في برّاد المعالجات الإقليمية «. وأضاف: «إنّ المعادلة الإقليمية التي من شأنها إخراج الأزمة الرئاسية من مأزقها غيرُ متوافرة حالياً، لأنّ الملفات التي طرحتها التطوّرات في سوريا والعراق جعلت الملف اللبناني في آخر الأولويات ما خلا الحرص على الهدوء والإستقرار في البلاد الذي تعطيه الديبلوماسية الغربية الأولوية المطلقة على أيّ ملفّ آخر».
برّي: لا جديد
وأكّد الرئيس برّي لزوّاره أمس «أن لا جديد في الاستحقاق الرئاسي، لكن من الواجب أن يستمرّ التواصل بين الاطراف السياسيين»، مشيراً إلى أنّ استقباله ابو فاعور يندرج في هذا الإطار.
وعندما سُئل هل نقل ابو فاعور إليه معطيات أساسية يمكن أن يُبنى عليها لإنجاز الاستحقاق الرئاسي؟ مازحَ برّي سائله قائلاً: «إذا كانت هناك من معطيات أساسية فلا يتمّ الحديث عنها».
وعن موضوع سلسلة الرتب والرواتب قال برّي: «سأستمرّ في الاهتمام بموضوع السلسلة والسعي إلى إقرارها في الجلسة النيابية المقبلة، ولنحتكم جميعاً إلى التصويت». وكرّر اقتراحَه حسمَ عشرة في المئة على السلسلة كلّها.