أول برقية تهنئة تلقّاها رجب طيب أردوغان بعد فوزه كانت من مكتب محمد مرسي الذي عزله المصريون في ثورة عارمة أسقطت المخطط الأميركي، الذي كان يهدف إلى تنفيذ دومينو من الانقلابات ما بين المحيط والخليج تضع “الإخوان المسلمين” في الحكم!
فوز أردوغان لن يحيي مشروع أخْوَنة الإقليم الذي يتبنّاه، لكنه سيرسِّخ سقوط نظرية “صفر مشاكل مع الجيران” التي طرحها حزب العدالة والتنمية، في محاولة مكشوفة لإحياء الدور العثماني واستيلاد نسخة عصرية من السلطنة والباب العالي اللذين يمثّلان إرثاً بغيضاً في تاريخ المنطقة!
كل التعليقات تشبّه أردوغان بفلاديمير بوتين باعتبار أنه سينقل صلاحيات رئاسة الحكومة إلى رئاسة الجمهورية بما يجعل النظام التركي رئاسياً وبما قد يتيح لأردوغان الذي يحكم منذ عام ٢٠٠٣ أن يبقى دورتين في رئاسة الجمهورية، وهو يَعِد بما يسمّيه “تركيا الجديدة” التي ستدفن آخر معالم الأتاتوركية مع دخول أردوغان قصر الرئاسة.
لكن الفرق بين بوتين وأردوغان أن الأول ثعلب يخرج من أوكار الـ”كي جي بي” ويعمل من وراء الأقنعة، بينما الثاني عصَبي استعراضي استبدادي يحاول منذ زمن فرض نفسه السلطان الجديد، ولكن عِبر طاووسية أنهت بسرعة معنى “صفر مشاكل مع الجيران” وتتجه إلى تعميق الخلافات بين أنقرة كعاصمة مزعومة للسلطنة، وبين كل دول الإقليم جنوباً كالسعودية ومصر وسوريا والعراق ودول الخليج، التي تضيق بتقاطع اللاعبين الإقليميين في الساحة العربية!
أردوغان الذي قال في خطاب النصر إن فوزه يُعدّ فوزاً لجميع الأتراك، داعياً إلى مصالحة اجتماعية والى”ترك المناقشات القديمة في تركيا القديمة”، يعرف ان “تركيا الجديدة” التي تنظر اليها ادارة باراك اوباما بافتتان وتعتبرها مثالاً يحتذى لإسلام حليق الذقن ويضع رباط العنق، ستبقى في نظر جيرانها الاقليميين عاصمة تطمح الى لعب دور سلبي عبر مشروع الأخونة الذي بمجرد سقوطه في مصر سقط في المنطقة كلها، كما ستبقى في نظر جيرانها الغربيين غير مؤهلة لدخول الاسرة الأوروبية.
تقول صحيفة “الانديبندنت” ان اردوغان المستبد حصل على ٥٣٣ دقيقة على التلفزيون الرسمي خلال شهر الانتخابات، بينما خصص لكل من منافسيه الاثنين ٣ دقائق و٤٥ ثانية، وانه يتجه “من موقع الرجل القوي بسبب إنجازاته الاقتصادية الى ان يكون ديكتاتوراً لا قيمة له”.
وبالنسبة الى المراقبين فإن سفن السلطان اردوغان اصطدمت بالصخور قبل نجاحه في الانتخابات، لأنه مستبد وطاغية، لم يتردد في اتهام معارضيه بتدخين الحشيشة والصحافة الأجنبية بالتجسس، وقام بمنع موقع “يوتيوب” وهدد بتدمير “فايسبوك” و”تويتر”، لأنه لا يتحمل الانتقاد… حتى السلطان عبد الحميد يبدو ديموقراطياً مقارنة به!