يعتذر الأخضر الابراهيمي من الشعب السوري بسبب التقصير إزاء مصيبته ونكبته.. ويعتذر باراك أوباما من أحمد الجربا عن عدم تغيير سياسته (أو غيابها!) وعدم تلبية طلبات المعارضة من أسلحة نوعية تمكنّها من حماية السوريين وصدّ ما أمكن من إجرام الأسد ومناصريه، وصولاً إلى عدم الاستعداد للأخذ حتى باقتراح إقامة مناطق حظر جوي!
بين الاعتذارين صلة غريبة، بحيث إن الأول يعتذر في الحقيقة لأن الثاني لم يقدم سوى الأعذار! وأول وأكثر من يعرف حقيقة النكوص الأميركي والدولي هو الإبراهيمي نفسه الذي جاء من دون أوهام كبيرة لتنفيذ مهمة مستحيلة. ولم يعتذر لأنه اكتشف بعد أكثر من سنتين على توليه منصبه، من هو الأسد وأتباعه وحلفاؤه وكيف يتصرفون، فذلك أمر لم يكن يحتاج إلى وظيفة دولية مرموقة! إنما لأنه وثّق اكتشافه الآخر وهو أنه أُحضر كي يكون شاهد زور على أخطر مذبحة يشهدها العالم الحديث، حيث ركبت معادلة ولا أنحس..
الإدارة الأميركية تتفرج وستبقى تتفرج لأن على المسرح كل مقومات الإغراء: أصوليات إسلامية تتذابح وكلها في خانة الأميركيين إرهابية. ونظام إيراني مُعادٍ (حتى الآن؟) يسير مفتّح العيون إلى فخ استنزافي دموي وسياسي وأخلاقي لا قعر له. ورؤوس حامية في موسكو تريد إعادة إنعاش حطام إمبراطوريتها ولم تجد أفضل من دماء السوريين مادة أوكسيجين! فيما يرى أوباما انه لن تكون هناك أفضل من الصخور السورية كي تتكسر تلك الرؤوس عليها! فوق ذلك، لا تأثير لما يحصل على موضوع الطاقة لا في الإنتاج ولا في طرق الإمداد. ولا تأثير يُذكر على معظم حركة أسواق المال من آسيا إلى أوروبا إلى الأميركيتين! والأهم، أن أمن إسرائيل لم يتأثر سلباً بل تعزّز أكثر فأكثر مع خروج دولة مثل سوريا من دائرة الأخطار المحتملة ولسنوات طويلة آتية.
في موازاة تلك التركيبة العجيبة، هناك التركيبة الأعجب: سلطة لا مثيل لإجرامها في الدنيا.. آخر شبيه لها كان نظام القذافي وقبله نظام صدام حسين، بعد ذلك إنتهى الأمر. حتى كوريا الشمالية لا يمكن إدراجها في لائحة الهول العدمي الممانع تلك!
في هذه الصورة النكبوية المشعّة، إختار أوباما أن يصفن ويفكّر ويستنتج: هو ليس أحسن من الرائع بيل كلينتون الذي تفرّج بكل معنى الكلمة على مذابح التوتسي والهوتو على مدى مئة يوم في العام 1994، وعندما ضرب الرقم حدود الـ800 ألف نسمة! وكلهم مدنيون، ومعظمهم نساء وأطفال وعُجّز! أوعز إلى الجمعية الخيرية المسماة الأمم المتحدة بالتحرك لتسوير المقبرة! فلماذا لا يفعل مثله وينتظر!؟
في المنطق معه حق: نحن نحكي بالعواطف والأنسنة وحقوق البشر، والحرام والحلال، والحق والجور والظلم والطغيان.. وهو يحكي لغة مختلفة، فيها مصالح وحسابات وأسواق وخرائط ونفط وغاز إلخ. وهذه كلها لم تكن موجودة في رواندا الإفريقية بالأمس وليست موجودة في سوريا المتوسطية اليوم!
لكن الاستدراك الوحيد المعقول، هو أن الآخرين لا يفكرون مثل مستر أوباما. ولذلك يستأسد بوتين على أبواب أوروبا وإيران على أبواب الخليج العربي. وفي المكانين لا يستطيع الانتظار طويلاً! فماذا سيفعل غير تقديم الأعذار لاعتذار الإبراهيمي؟!.. الأرجح لا شيء!