أي فارق بين افضل ما عبّر عنه الرئيس نبيه بري في قوله ان تسعين في المئة من الحصانة اللبنانية تعود الى لبنان حال انتخاب رئيس الجمهورية وأفضل ما حذرت منه الأمانة العامة لقوى ١٤ آذار من انهيار كل أحزمة الأمان الداخلية ما استمر تعطيل الانتخابات الرئاسية؟
لعل الغرابة القصوى في مواقف القوى الداخلية والمرجعيات السياسية والدينية هي في تلمس ذعر تصاعدي من التداعيات الامنية والاجتماعية ومن بعدها حتما ذعر الانزلاق الى التفكك وقت لا تبدو أدنى قدرة لدى اي فريق على ان يطلع على الناس بمبادرة تخرق ابشع صورة لعجز يتساوى معه الجميع في السباق الى الانهيار. وإذا كانت هذه حال قوى يجمع معظمها ذعر الفراغ فماذا يقال عن صوت سيد بكركي الذي بح بالمناداة لتوفير نصاب انتخابي فصارت حاله اقرب الى القاعدة القائلة “لا رأي لمن لا يطاع”؟
جميعهم الآن امام هذه القاعدة، سياسيين وزمنيين ودينيين كأن لعنة الفراغ أصابت منهم مقتلا فلم تعد اصواتهم تسمع ولا اراداتهم تطاع هذا ان سلمنا جدلا ان جميعهم “صادقون”. ولكن ماذا تراه ينفع الصراخ ان ظل الموقف مقتصرا على التوصيف والتشخيص والتعميم بدوافع من حسابات سياسية ومصلحية من هنا واصطناع مواقع “موضوعية” من هناك؟ وما قيمة توافق في الموقف التوصيفي من التداعيات المخيفة الزاحفة لأزمة الفراغ الرئاسي والوطني ان لم تواكبه صدمة كبرى صاعقة عنيفة بتسمية المعرقل اسما وفئة وفريقا وارتباطا بلا اي مواربة أو مداهنة؟
هذه الأزمة تجاوزت إمكانات المعالجة بالمهدئات وأطاحت كل سقوف الاصطفافات التقليدية الى حد ان جعلت القوى السياسية ورموزها وزعاماتها عرضة لأبشع المصائر. حين يغدو القوت اليومي للناس رهينة الصراع السياسي، وحين يصبح جيل الشباب الطالبي ألعوبة في يد السياسيين المترفين أو الجهلة أو الفاسدين، حينذاك تتحول أزمة الرئاسة فعلا أزمة كيانية لان بلدا يدفع نخبته الشابة الى هذا الدرك اليائس لن يقوى على مقاومة الانهيار.
هذه الازمة باتت في حاجة الى “جبهة” عريضة مختلطة تطلق الانقلاب الحلال انتصارا للبقية الباقية من إمكانات الإنقاذ قبل الخراب. جبهة تدل بعين اشد وقاحة من وقاحة المعطلين ومنتهكي الدستور واللاهين بمصير شبابنا على “الفاعل” أو على الفاعلين وتسميهم جهرا بلا مواربة. لم يعد اللبنانيون في حاجة الى قرائح بلاغية توصيفية وقد فاضت يومياتهم بالمنظرين والمحللين والمتوجهنين على فتات المآسي اللبنانية. وعبثا اي تنظير وأي موقف وأي ذرف لدموع التماسيح ان لم تفقأ دملة الانقلاب الزاحف بانقلاب من مستوى صادم وأقوى على نحو جراحي حاسم… وإلا أعفونا على الأقل من بكائيات زائفة.