لا يهادن الخبير الدستوري حسن الرفاعي في احترام الدستور: “المادة 44 من قانون الإنتخابات النيابية تنص على نشر مرسوم دعوة الهيئات الناخبة قبل 90 يوماً من موعد الإنتخابات، ويقفل باب الترشيحات قبل 60 يوماً. إذا لم يجتمع مجلس الوزراء ويصدر المرسوم لينشر في الجريدة الرسمية (اليوم) لإجراء الإنتخابات في الموعد الذي حدده وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ( 16 تشرين الثاني) فسيكون على مجلس الوزراء أن يدخل تعديلاً لاحترام مهلة التسعين يوماً، فيعين يوم إجراء الإنتخابات بعد أيام ، أي في وقت يكون فيه مجلس النواب الحالي قد أصبح منحلاً حكماً لانتهاء مدة ولايته الممددة ( في 20 تشرين الثاني)”.
سيجد اللبنانيون أنفسهم أمام فترة فراغ تفصل بين انتهاء مدة المجلس الحالي وموعد الإنتخاب، مهلة سيحمل خلالها الرئيس نبيه بري صفة “السابق”، والنواب أيضاً. يجرّ ذلك إلى سؤال: ماذا لو طرأت ظروف اقتضت تأجيل الإنتخابات فترة لظروف قاهرة؟
رأي الخبير الرفاعي ان لبنان في هذه الحال سيكون من دون سلطة اشتراعية إلى أمد قد يطول، “مما يستدعي تحسباً لعدم الوقوع في فراغ برلماني يُضاف إلى الفراغ الرئاسي. لذلك على مجلس النواب الحالي أن يصدر قانوناً يمدد فيه لنفسه أقله حتى يوم إتمام العملية الإنتخابية بنجاح”. التمديد هذا يمكن أن يكون لبضعة أيام أو أسابيع أو أشهر. هذا طبعاً إذا كانت الدعوة قد وُجّهت أصولاً مع احترام مهلة التسعين يوماً ، أي أن الوزراء الـ 24 وقعوه جميعاً وفقاً للآلية المتفق عليها باعتبار أن الحكومة تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية في غيابه. لا يسع الخبير الدستوري الرفاعي إلا أن يكرر هنا تحفظه عن آلية توقيع جميع الوزراء. رأيه أن “يكون التوقيع بنصف عدد الوزراء زائداً واحداً لكل المراسيم، وبثلثي عدد الوزراء للمراسيم الصادرة في المواضيع الـ14 الرئيسية الواقعة ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية” (المعاهدات، إعلان الحرب، وسواهما…).
تكرّ الأسئلة : هل يؤخر مجلس الوزراء الإنتخابات أياماً احتراماً لمهلة الـ90 يوماً فيتلافى الطعن أمام مجلس شورى الدولة من أي متضرر ذي صفة؟ وإذا قرر مجلس الوزراء تأجيل الإنتخابات ، فهل سيقبل النواب، رئيسهم خصوصاً، بحصول فراغ ولو لبضعة أيام في السلطة الإشتراعية؟ وفي هذه الحال ماذا إذا وقعت حوادث أمنية، وإذا قرر وزير أو مجموعة وزراء الإستقالة أو الحرد رافضين التوقيع؟ وهل يبادر البرلمان إلى إقرار تشريع يمدد للمجلس بضعة أيام لسدّ هذه الثغرة؟ الأكيد أن قرار مجلس النواب التمديد لنفسه مدة تتجاوز عدد الأيام المذكورة آنفاً يعرّض قانونه للطعن أمام المجلس الدستوري من عشرة نواب. ماذا سيكون عليه الوضع إذا اجتمع المجلس الدستوري ونظر في الطعن؟
الأكيد أيضاً – للتفلت من هذا المأزق – أن مجلس النواب، إذا مدّد لنفسه مدة أطول من أيام، سيضيف إلى الأسباب الموجبة حجة الدواعي الأمنية مستنداً الى ما أعلنه وزير الداخلية نقلاً عن الأجهزة الأمنية في هذا الصدد. لا شك هنا أن مجلس النواب وكذلك مجلس الوزراء، كل منهما في ما يخصه، سيكون في وسعه إدراج مبررات لتأجيل الإنتخابات رغم رأي غالبية فيهما تنادي بعدم التمديد. سيسمع اللبنانيون عبارات “إننا نرفض التمديد، لكننا رغم رفضنا قبلنا ومدّدنا لأنفسنا لعدم وقوع فراغ في السلطة الإشتراعية. نريد أن تجرى إنتخابات لكن التمديد يفرض نفسه”.
إلا أن التمديد لأشهر يبقى محتاجاً إلى أكثرية نيابية قد تتوافر بألف ذريعة وذريعة. ولكل عقدة دستورية حل على الطريقة اللبنانية. فليس مستبعدا ألا يطعن أحد بدستورية التمديد أو ألا يبت الطعن لعدم اجتماع المجلس الدستوري وقيامه بواجباته، كما يمكنه الاجتماع ورد الطعن بحجة الضرورات الأمنية.
أما القانون الذي ستحصل على أساسه الانتخابات، إذا حصلت، فهو القانون الحالي الساري المفعول ( قانون 2008 المعدل عن قانون 1960)، وفيه مادة لا بد من التضحية بها (المادة 43) تنص على أن تسبق الانتخابات موعد انتهاء ولاية المجلس بشهرين.
يعني كل ذلك أن المبررات لعدم انتخاب رئيس للجمهورية تخلق مبررات لا حصر لها، وثمة ألف سبب وسبب لتمديد لن يكون له أب ولا أم . ولا مفر منه “فنياً”، على قول رئيس “جبهة النضال الوطني” وليد جنبلاط، بضعة أشهر تقع في فصل الشتاء، لكن في لبنان جبالاً ومناطق يستحيل فيها التنقل شتاءً. فليكن التمديد إلى الربيع.