في لبنان لن تنصح أميركا الحكومة اللبنانية باتخاذ أي موقف لاستعادة العسكريين الذين خطفهم تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” في عرسال. هذا ما يؤكده متابعون في واشنطن لسياسة بلادهم. ذلك أنها تعرف الانقسامات اللبنانية وعجز اللبنانيين عن التوافق حتى على إنقاذ مواطنين من كل الفئات في أثناء قتالهم موحّدين مجموعات من التنظيمَين المذكورين. وتعرف تحديداً أن فيه فريقاً يطالب بمقايضة العسكريين الأسرى بإسلاميين للتنظيمين بالتفاوض سواء مباشرة أو عبر جهات عربية إسلامية مثل دولة قطر. كما تعرف أن فريقاً آخر فيه يرفض هذا الأمر جملة وتفصيلاً. ولذلك فإنها لا تريد التورّط في موقف يرتِّب عليها مسؤوليات ويضاعف من مشكلاتها في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن الإدارة الأميركية لا تثمِّن عالياً ما قام به جيش لبنان في عرسال ضد “الإرهابيين”، وما يقوم به من مهمات مماثلة في لبنان رغم عدم استقرار وضعيه السياسي والأمني. وهي ترجمت موقفها هذا عملياً بمتابعتها تقديم المساعدات العسكرية إليه وخصوصاً التي يحتاج اليها في مكافحته الارهاب، وستستمر في ذلك لأنها تدرك أنه يحتاج إلى الكثير. لكن ذلك قد لا يتجاوز حدوداً تفرضها عليها مخاوفها من مفاجآت لبنانية داخلية سلبية ومن وصول سلاحها الى الإرهابيين الذين لا يقتصرون على “داعش” و”النصرة” وبصراحة على السنّة فقط، بل يشملون في رأيها الشيعة وتحديداً “حزب الله” الأكثر قوة عندهم. وفي هذا المجال يؤكد المتابعون أنفسهم أن الجيش اللبناني سيتلقّى قريباً أسلحة جديدة نوعية مثل طائرات صغيرة مزودة رشاشات بعدد قليل، طبعاً ومثل طوافات عسكرية قادرة بحجمها وبمرونتها على تنفيذ مهماتها في الجبال وبين الوديان. طبعاً، يلفت هؤلاء، لن تزود أميركا لبنان طائرات “أف16” لأنه ليس في حاجة إليها، لكنها ستبقى إلى جانبه. إلا أن ذلك يبقى مرتبطاً باستمراره متماسكاً، وهي تأمل في ذلك، وباعتماد حكّامه وسياسييه الحكمة والتعقّل والوحدة والحزم في المواقف.
هذا عن أميركا ولبنان في المرحلة الراهنة. ماذا عن أميركا وسوريا والعراق في ضوء التطورات التي حصلت فيهما خلال الأشهر القليلة الماضية والتي أقلقت العالم بل أخافته الى درجة دفعت الزعيمة الأحادية للعالم أميركا الى الإسراع في وضع سياسة مواجهة لم يكن يظن رئيسها أوباما أنها ملحة؟
في البداية، يلفت المتابعون أنفسهم الى أن الرئيس باراك أوباما ذكي جداً. لكنه إما لا يعرف أن يتخذ قرارات، وإما يتباطأ كثيراً في اتخاذها رغم ضرورتها أحياناً لبلاده ومصالحها. ومحيطه أي الفريق الذي يعمل مسؤول في نظرهم عن عدم معالجة هذا الأمر، إذ إنه يشاركه التحليل وتقليب الاحتمالات فيصبح الاثنان عاجزَيْن عن التقرير. ومعروف أن الناجح في الحياة وفي أي مجال عمل هو الذي يقرِّر وينفِّذ بعد تحليل عميق وجدّي وعلمي، وليس الذي يكتفي بالتحليل. ورغم ذلك يرى هؤلاء أن التطورات الخطيرة في العراق، واستطراداً في سوريا بل المنطقة كلها، فرضت على أوباما التحرك وفي سرعة مستعيناً ليس فقط بفريق عمله بل أيضاً بكل مؤسسات الدولة مثل وزارة الدفاع والأجهزة الاستخبارية ووزارة الخارجية والإدارات الأخرى. واليوم الأربعاء يُفترض أن يعلن استراتيجيته لمواجهة أخطار التطورات المشار اليها.
طبعاً لا يمكن الحديث عن عناصر هذه الاستراتيجيا قبل إعلانها علماً أن الذي سيُعلن منها لن يتناول التفاصيل. لكن المتابعين من واشنطن إياهم يشدّدون على أن أميركا لن تتعاون مع الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه لتنفيذ استراتيجيتها الجديدة المكافِحة للإرهاب. أولاً لأنه هو الذي ساهم كثيراً في تحويل الثورة، او بعض مهم منها، إرهاباً باستعماله المتفلِّت من كل الضوابط القانونية والأخلاقية للقوة العسكرية. وثانياً، لأن الحرب في بلاده صارت مذهبيّة وغالبيّة شعبه سنّية. كما أن الصراع في المنطقة صار بدوره مذهبيّاً. وأميركا لا تستطيع تعويمه وإعادة سلطته في وقت تحتاج الى دعم الدول المسلمة السنّية من عربية وغير عربية. طبعاً، يستدرك هؤلاء، تحتاج أميركا ايضا الى دعم إيران الشيعية في الحرب على الإرهاب وهي ستحصل عليه أو حصلت عليه، مثلما إيران تحتاج الى الأميركيين في هذا الموضوع. لكن إيران دولة شيعيّة قوية وكبيرة رغم أقلوية الشيعة في العالم الإسلامي ولذلك لها دور وريادة. وهذه ليست حال النظام السوري.
ماذا عن أميركا والعراق، وأميركا وروسيا وأميركا والصين؟