مر، بقليل من الضجيج، انجاز اجتماعي ارتدى صورة أمنية، يسجل لوزير الداخلية نهاد المشنوق، هو نقل مشكلة السجون من هامش حياة اللبنانيين، الى لبها. فأن يتبرع مصرفيون، الى جانب مساهمات الدول الشقيقة، لتحديث السجون اللبنانية أمر يحرر هؤلاء من صورة الطبقة المتعيشة من مأساة بلد.
فلقد ارتبط أهل المصارف، مساهمين ومالكين ورجال أعمال، في انطباع اللبنانيين، بالفوائد المتراكمة على الدين الداخلي، الذي يشكل 59٫77 في المئة من الدين العام، كون المصارف هي الدائن الأكبر للدولة اللبنانية، ما يعني أن الجزء الأكبر من الضرائب يذهب اليها، ويحقق لها أرباحا ريعية تقدر سنويا بـ1,7 مليار دولار، كما ذكر وزير المال، بينما يقول خبراء إنها تبلغ 6 مليارات دولار سنويا. يزيد الانطباع سوءا، أن المصارف لأسباب ربحية، من جهة، وموضوعية مرتبطة بالتوتر الأمني، من جهة أخرى، لم توظف امكاناتها المالية سوى في استثمارات عقارية، لا تحتاج الى يد عاملة متنوعة الكفاءات، كحال المشاريع الصناعية والزراعية. وبعدما كانت أموالها الخاصة تبلغ، قبيل الحرب، 140 مليون دولار، ارتفعت اليوم إلى 14,8 مليارا، وفق أصحاب الخبرة.
عمليا، منحت دعوة وزير الداخلية أصحاب الأموال والمصارف والسيولات المتراكمة، إلى المساهمة في إعادة تأهيل السجون، فرصة لـ”أنسنة” ثرواتهم، بعدما استفحلت وتعمقت الهوة الطبقية والاجتماعية بين الذين يملكون والذين يحتاجون، فصغُرت في عيون الأولين الأرقام، وكبُرت في عيون الآخرين الهموم.
زاد من التباعد موقف أصحاب المصارف من بحث اللجان النيابية المشتركة في إخضاعها لضريبة الفوائد وزيادتها من 5% إلى 7%، فيما المعلمون والموظفون، والقطاع العام عموما، لا يرتدون عن المطالبة بحقهم في سلسلة رتب ورواتب “معاصرة” تضاعف أعباء الخزينة العامة المتهاوية.
كان الناس ينظرون الى بيل غيتس على أنه جشع ومحتكر نتيجة عديد من دعاوي الاحتكار التي رفعت ضد مايكروسوفت في الولايات المتحدة وأوروبا. وبعدما أنشأ وزوجته مؤسسة “تعهد العطاء” تلطفت صورته ليصبح فاعل الخير السخي، إذ تبرع، قبل 4 سنوات، بنصف ثروته البالغة، حينها، 65 مليار دولار لفقراء العالم، من دون تحديد جنس أو لون أو عرق. وما لبث أن انضم 11 مليارديراً جديداً إلى قائمة الذين سيتبرعون بنصف ثرواتهم لأعمال خيرية، وذلك بناء على طلبه ورجل الأعمال وارن بافت، الذي كان أول اللاحقين به. وحاليا، فاق عدد المنتسبين إلى هذه القائمة 92 مليارديرا.
ليس من مقارنة بين ثروات أغنياء لبنان، ولائحة الـ 92، لكن يمكن “أنسنة” الثروات المحلية غير المتواضعة، نسبيا، بمبادرات وطنية كتكريس منح دراسية وجامعية، ودعم مستشفيات حكومية، ومؤسسات اجتماعية، ومراكز بحوث.
تأهيل السجون، باب لـ”أنسنة” الثروات وأصحابها، فتحه الوزير، وربما على عابريه أن يعتادوا أبوابا مماثلة، قبل ان ينفجر الفقر في لبنان.