في جردة أوّلية لقتال «حزب الله» في سوريا، يمكن القول إنّ معظم الأهداف العكسيّة لهذا القتال قد تحقَّقت.
«حزب الله» بأدبيّاته السياسية التمويهية ادَّعى أنّه ذهب إلى القتال في سوريا لحماية لبنان من «داعش»، ولعلَّ المشهد الدرامي في عرسال يؤكّد أنّ «داعش» و«جبهة النصرة» دخلا لبنان للدفاع عن سوريا، أيّ للسبب نفسه الذي برَّر فيه الحزب قتاله هناك.
يتشابه «حزب الله» مع «النصرة» و«داعش» في إلغاء الحدود الوطنية، وعدم الاعتراف بسيادة سوريا ولبنان، وبالانجراف في نزاع مذهبي مدمِّر وطويل الامد.
لم يكن هذا القتال منذ بدايته إلّا بطلب من إيران لكي تَمنع سقوط نظام بشار الاسد، وهو استمرَّ على وقع تراجع ميداني على رغم التقدّم في احتلال المدن والقرى، وتحوَّل لاحقاً حرب استنزاف وعصابات، باتَت تُهدّد حسب المعلومات الواردة من سوريا بانقلاب الوضع الميداني ضدّ «حزب الله» في منطقة القلمون، وتُهدّد أيضاً باستعادة المعارضة السورية مناطق سبق أن خسرتها، ومدناً مثل القُصير كانت سقَطت في يد «حزب الله».
أمام هذا الوضع الملتبس المفتوح ميدانياً على كلّ الاحتمالات، فُتحت معركة عرسال التي حاول «حزب الله» محاصرتها من دون الدخول إليها تجنّباً للاحتكاك مع السنّة. وأمام هذا الواقع المتوقّع، تسأل مراجع سياسية عن مدى قدرة الجيش على مواجهة نتائح قتال «حزب الله» في سوريا، حيث يُراد له تحمّل مسؤولية هذا القتال ومسؤولية مواجهة «جبهة النصرة» والتنظيمات المتطرّفة في آن.
وتلخص المراجع معالم المرحلة بجملة ملاحظات، أبرزها:
أولاً: لم يحترم «حزب الله» الاتفاق الضمني الذي حصل بعد تأليف الحكومة، وبعد إقرار الخطة الامنية لطرابلس التي نُفذِّت استنسابياً، ولم يُقدّم أيّ دليل على نيّته تحييد لبنان ولو نسبياً عمّا يجري في سوريا، حيث تعمَّد تحويل البقاع منطقةَ عمليات مفتوحة، واستعرض للمرة الاولى مواكبه العسكرية، التي أعطى من خلالها الانطباع بأنّه صاحب الإمرة العسكرية على الارض، مهمِّشاً دور القوى العسكرية والأمنية التي وضَعها في خانة القوى الرديفة، كلّ ذلك ومعركته في القلمون مستمرة، وَسط شحن مذهبي غير مسبوق أسقط كلّ قناع عن حقيقة هذه المعركة ودوافعها.
ثانياً: في موازاة استمرار «حزب الله» في القيام بما يقوم به، تستمرّ قيادات الطائفة السنّية في محاولة استيعاب هذا الشحن المذهبي وأثره الخطير في المزاج السنّي العام، الذي يُراقب ما تفعله إيران في العراق وسوريا ولبنان، وسط خطر التحوّل والتعاطف ولو غير المعلَن مع القوى التي تواجه هذا المشروع.
وعلى رغم خطورة هذا الشحن المذهبي، فإنّ هذه القيادات ذهبت بجرأة الى إدانة إرهاب «داعش» الذي أُعيد توليده في سوريا والعراق. ومن هنا تأتي مواقف السعودية، وموقف سنّة لبنان الذي عبَّر عنه بوضوح الرئيس سعد الحريري، والذي ترجَمه وزراء تيار «المستقبل» في الحكومة، خصوصاً وزيرا العدل والداخلية اشرف ريفي ونهاد المشنوق، اللذان يحاولان إدارة الأزمة في العلاقة مع الحزب من داخل الحكومة، فيما يستغلّ الحزب مشاركة «المستقبل» فيها ليستمرّ في تنفيذ أجندته الخاصة، مستعمِلاً هذه المشاركة غطاءً سياسياً لقتاله في سوريا، تماماً كما يحاول استعمال المؤسسات الامنية والعسكرية غطاءً لحركته الميدانية على الارض.
ثالثاً: الوضع في عرسال بات خطراً الى درجة تستدعي موقفاً وطنياً على مستوى «14 آذار» الخاسرة الاولى من تهديد قوى الاعتدال. وفي هذا الاطار بدأت مشاورات لبلورة موقف موحَّد، في حضور وزراء «14 آذار» ومشاركتهم في الحكومة، ينحو في اتجاه رفض ما يحصل في عرسال من باب طلب انسحاب جميع المسلحين السوريين من كل الاراضي اللبنانية، وفي الوقت نفسه الطلب الى «حزب الله» الانسحاب من سوريا، لنشر الجيش على الحدود ومنع انتقال المسلّحين عبرها في الاتجاهين.