ينقل أحد السياسيين عن رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون اقتناعاً شبه ثابت بأن الحادثة التي تعرض لها قبل ايام وأدت إلى إصابته في كتفه لم تكن مصادفة بما انه تعرض لها قبل 16 يوما من موعد الجلسة المقبلة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في 2 ايلول، وهي المدة ذاتها التي فصلت بين إصابته في كتفه وتسلمه رئاسة الحكومة الانتقالية عام 1988. هذه المفارقة تترك لدى العماد عون انطباعا أن جلسة 2 أيلول المقبل قد لا تكون شبيهة لسابقاتها من الجلسات المعطلة لانتخاب رئيس جديد. وتوافق مراجع سياسية بارزة الجنرال في اقتناعه، ولكن على اساس حسابات مغايرة لحساباته.
ففي رأي هذه المراجع أن شهر ايلول – وليس بالضرورة مطلعه – سيشكل مفصلا أساسياً للاستحقاقات الداخليةـ واهمها اثنان: الاستحقاق الرئاسي والاستحقاق البرلماني، انتخابا او تمديدا لولاية المجلس الحالي، وهذا هو الخيار الارجح الذي يجري الاعداد له بجدية تامة، كما يجري الاعداد بالجدية عينها لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، بعدما تبين من المناخ السياسي والامني العام في البلاد منذ شغور الرئاسة الاولى أن البلاد تتجه إلى مزيد من التدهور والانهيار إذا لم يتم لملمة الوضع الداخلي وإعادة تفعيل عمل المؤسسات الدستورية، الامر الذي يتعذر حصوله على محوري المجلس النيابي والحكومي إذا بقيت سدة الرئاسة مشلولة وفارغة من شاغلها.
وإذا كان رئيس المجلس نبيه بري قد كشف لـ”النهار” قبل ايام ان الوقت لا يزال متاحا لإنجاز هذا الاستحقاق قبل الشروع في بحث مصير المجلس النيابي، فإن المراجع السياسية تؤكد أن حركة الاتصالات والمشاورات الجارية اخيرا والتي يقود رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط جزءاً كبيرا منها، تصب في هذا الاتجاه، وذلك على قاعدة تجاوز المرشحين الاساسيين، المعلن سمير جعجع والمضمر ميشال عون إلى مرحلة جديدة تؤسس لإيجاد قواسم مشتركة أو توافق على مرشح ثالث يحظى بالغطاء السياسي الداخلي والخارجي.
ولأن تجاوز العماد عون لا يزال متعذرا إذا لم يأت بمبادرة شخصية منه يعلن فيها عزوفه عن الرئاسة لمصلحة من يسميه مرشحا له، فإن العمل اليوم لم يعد على مستوى التسويق لعون مرشحا توافقيا كما يطالب لدى القوى السياسية الرافضة له، بل هو جارٍ لإقناع زعيم التيار البرتقالي بالتحول الى ناخب أكبر وتسمية مرشحه وتحديد الثمن السياسي لقاء ذلك.
عارفو الجنرال يؤكدون استحالة التوصل معه إلى اتفاق في هذا الشأن، على قاعدة ان الرئاسة بالنسبة إليه غير قابلة للتفاوض أو المقايضة. لذلك تعوَل المراجع السياسية البارزة على التطورات الخارجية لإنضاج تفاهم أميركي – إيراني يطلق أسر الرئاسة في لبنان، تماما كما حصل من خلال اتفاق الدوحة، ذلك ان التوافق الداخلي ليس كافياً لحل أزمة الرئاسة في لبنان ما لم يظلله تفاهم خارجي لم يتوافر بعد.
وهذا التفاهم هو العامل الوحيد الكفيل بإعادة خلط الاوراق الداخلية، ولا سيما عند “حزب الله” العاجز والرافض حتى الآن عن التخلي عن حليفه المسيحي. وينقل عن قيادة رفيعة في الحزب قولها لأحد السياسيين الذين زاروها أخيرا في إطار الحراك السياسي الحاصل حول الاستحقاق الرئاسي أن “تيار المستقبل” الذي فتح حوارا لبضعة أشهر مع العماد عون عجز عن إبلاغه عدم السير به رئيسا، فكيف للحزب أن يقوم بذلك وهو الحليف الابرز له؟ علما ان ثمة من يكشف أن تمسك عون بطرحه نفسه مرشحا توافقيا ينبع من تبلغه من أحد موفديه الاقربين موافقة مستقبلية على ترشحه.
وفي رأي المراجع السياسية البارزة، أن الاسابيع القليلة المقبلة ستحمل عناوين سياسية مغايرة للشعارات التي حكمت المرحلة الماضية، ولا سيما بعد احداث عرسال الاخيرة والامتداد الداعشي في اتجاه العمق اللبناني. وتوقعت في هذا المجال خرقا أكبر في الحرارة العائدة بين التيار الازرق وأحد اطراف الثنائية الشيعية المتمثل في حركة “أمل”، تمهيدا لإعادة قنوات الحوار المباشر بين قيادتي التيار وحزب الله، مؤكدة أن هذا الحوار بات ضرورة ليس فقط لقطع دابر الفتنة المذهبية ومخاطر التمدد الاصولي، وإنما لمستقبل الحياة السياسية في لبنان وإعادة تكوين السلطة فيه، وخصوصا أن أي انتخابات ستحمل رئيسا جديدا للبلاد ستتزامن مع حكومة جديدة لا بد أن تكون رئاستها رهن عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان.