أين إيران من تمدد «داعش».. وكيف سترد؟
طهران لـ«المنتظرين»: «حزب الله» هو المقرر رئاسياً
حين سقطت مدينة الموصل في يد «داعش»، طُرحت أسئلة كبيرة وفورية تتصل بالحسابات الايرانية، من نوع: أين كانت طهران التي يُفترض أنها صاحبة النفوذ الأقوى في بلاد الرافدين، وكيف أُخذت على حين غرة، وكيف سترد على هذا التهديد المباشر لمصالحها، وأي تأثير ستتركه التحولات في العراق على الخيارات الايرانية في المنطقة وصولا الى لبنان؟
تفيد المعلومات المؤكدة أن هذه الأسئلة كانت موضع نقاش عميق وتفصيلي في مراكز صنع القرار في إيران، حيث يسود شعور بأن «داعش» تعتمد أساساً في نموّها على الحرب النفسية والفعل الصادم، وتضاف الى ذلك نقاط ضعف موضوعية أوجدتها أخطاء نوري المالكي، استثمرتها «داعش» وعناصر «البعث».
لكن، مع تجاوز «الصدمة الأولى»، تبدو طهران وكأنها في طور إعادة ترتيب أوراقها واستعادة المبادرة، على أساس «ثوابت» ليست قابلة للمساومة، ويمكن اختصارها بكلام منسوب الى مسؤول إيراني بارز وفحواه «ان العراق خط أحمر، ولن يسقط في قبضة المشاريع المعادية، ومن يحاول العبث بهذه المعادلة لا يدرك الأهمية الحيوية لهذا البلد في حساباتنا.. ونصيحتنا ألا يمزح أحد معنا في العراق».
تعتمد إيران في مقاربة المستجدات العراقية على «الصبر المخصّب» الذي سمح لها بربح معارك أخرى في السابق. تتفادى طهران استدراجها الى ملعب الخصم، حيث يمكن ان تفقد السيطرة على زمام المبادرة وقواعد اللعبة، وبالتالي فهي تحرص على أن تختار توقيت الرد وشكله، آخذة بعين الاعتبار أن إدارة المواجهة في العراق تحتاج الى أعصاب باردة ودراية وحكمة وحزم.
غداة سقوط الموصل، استحضر الايرانيون واقعة التفجير الشهير في دمشق والذي قضى على أبرز القادة الأمنيين والعسكريين في النظام: «يومها، ساد انطباع بأن المعركة حسمت وان رحيل بشار الأسد بات مسألة أيام ليس إلا، قبل ان يقول المرشد الاعلى للثورة السيد على خامنئي، كلمته: سننتصر بإذن الله. وبالفعل، تبدلت موازين القوى في سوريا لاحقا، وها هو الأسد الذي كان مهددا بالسقوط يفوز في الانتخابات الرئاسية فيما جيشه يحقق إنجازات ميدانية متلاحقة على الأرض».
استنادا الى أداة القياس ذاتها، تبدو طهران واثقة في قدرتها على حماية المدى الحيوي لمصالحها الاستراتيجية في العراق، انطلاقا من ثابتتين لديها: لا لمشروع «داعش» بكل مفرداته ورعاته، ولا للتدخل الاجنبي الذي استعجل المالكي بطلبه.
حتى هذه اللحظة، تتمسك إيران بنوري المالكي وترفض المقايضة عليه، إلا ان ذلك لا يمنعها من الإقرار بأنه ارتكب أخطاء فادحة وامتنع عن التجاوب مع نصائح قُدمت له، الامر الذي ساهم في إنتاج الواقع الحالي: «نصحناه بأمور عدة، لكنه فعل عكسها.. قلنا له إن عليه ان يوحد الجسم الشيعي، فلم يفعل.. قلنا له ان عليه ان يبعد رموز حزب البعث الذين أعادهم الى الجيش فلم يفعل.. قلنا له ان عليه ان يحتضن المكوّن السني المعتدل ويشركه في السلطة وصناعة القرار فلم يفعل..».
لكن، برغم هذه الواقعية في «جردة الحساب» لتجربة رئيس الحكومة العراقية، إلا ان طهران تعتبر أن الوقت ليس مناسبا الآن لمساءلته، وان الأولوية في هذا الظرف هي للتعامل مع الوضع الناشئ ومعالجته، قبل الخوض في أي أمر آخر.
بالنسبة الى القيادة الايرانية، لا بديل من المالكي في هذه المرحلة، لأنه عندما تكون المعركة محتدمة لا يُستبدل القائد، «ومن يظن أن رحيل المالكي عن السلطة في هذا التوقيت هو الحل يكون مخطئاً وواهماً، ذلك ان إقصاءه سيقود الى فاجعة حقيقية في العراق، وليس الى الاستقرار».
لا ينطلق الايرانيون في هذا الموقف من فراغ، بل يرتكزون على نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي حصل فيها المالكي على أكثرية وازنة، يجب احترام دلالاتها، متسائلين: هل يجوز تجاهل هذه الحقيقة والقفز فوقها، وكيف يمكن لدعاة الديموقراطية أن يبرروا مطالبتهم بإقصاء من منحته صناديق الاقتراع شرعية شعبية؟
أصلا، تعتبر طهران أن ما حصل في العراق مؤخرا يندرج في سياق الانقلاب على نتائج الانتخابات، وان الأخطاء التي ارتكبها المالكي وظّفها خصومه المحليون والخارجيون كذريعة للانقضاض على التوازنات الدقيقة في العراق، «ونحن لن نسمح لهم بذلك، لان مصالحنا الحيوية وأمننا القومي على المحك..».
ولما كانت المعركة تُخاض، من وجهة النظر الايرانية، ضد كل محور المقاومة والممانعة، فإن طهران لا تخفي خشيتها من استمرار التفجيرات الانتحارية في لبنان، من دون أن تقلل من أهمية استراتيجية «الأمن الاستباقي» التي تعتمدها الاجهزة الامنية، في مواجهة الارهاب وتقليص قدراته.
أما الاستحقاق الرئاسي، فإن مركز القرار في إيران يقاربه على طريقته: «ربما لا أحد يصدق أن طهران لا تتدخل في الانتخابات الرئاسية اللبنانية، لكن هذه هي الحقيقة.. لماذا نتدخل أصلا، ما دام حزب الله الحليف لاعباً قوياً، يملك كل المعطيات، ويستطيع أن يحدد المصلحة ويتخذ القرار المناسب.. وفي ما يخصنا تحديدا، نحن ضد الفراغ ونستعجل إجراء الانتخابات الرئاسية».
ولمن ينتظر حوارا ومن ثم تفاهما إيرانيا ـ سعوديا لانتخاب رئيس الجمهورية، يأتي الرد الايراني واضحا: «لا حاجة للانتظار وتضييع الوقت.. حزب الله هو المعني بالملف الرئاسي وباعتماد الخيار الملائم».
الاولوية اللبنانية في الاجندة الايرانية هي من جهة للاستقرار ومن جهة أخرى للحؤول دون تحكم النفوذ الاجنبي المعادي بسياسات لبنان وخياراته. يُروى، ان الرئيس الايراني حسن روحاني التقى منذ فترة بعض السفراء الايرانيين الذين تقرر اعتمادهم في الخارج، لإبلاغهم بالتوجهات العامة للسياسة الخارجية، فلما انتهى الاجتماع وهمّ الحاضرون بالمغادرة، طلب روحاني من السفير الايراني الجديد في لبنان البقاء قليلا وحدهما، وقال له: لبنان مهم جدا بالنسبة إلينا.. ونريده أن يبقى لبنانيا لان في ذلك مصلحة لنا، وألا يكون ورقة في أيدي الآخرين.. هذه توجيهاتي لك.