يُروى أنَّ أحد زوّار العاصمة السورية دمشق، قد سأل الرئيس بشار الاسد عن موقف سوريا من الانتخابات الرئاسية اللبنانية. فجاء جواب الرئيس سريعاً ومقتضباً: «نوافق على ما يوافق عليه «حزب الله» والسيد حسن نصرالله».
هذه الحادثة على اقتضابها تمثّل بعداً رمزياً يختصره جواب الاسد. لم تعد سوريا لاعباً رئيساً في استحقاقات لبنان كما سالف العهود، وكما درجت العادة منذ اتفاق الطائف وانتخاب الرئيس الأول للجمهورية “الثانية”، الرئيس رينيه معوّض.
لكنها تدفع من باب الفضول والتقصّي الى معرفة حجم “التأثير” السوري في الانتخابات الرئاسية العتيدة، ومدى انخراط دمشق في هذا الاستحقاق في ظل الانشغال الكلي بالداخل السوري والحرب التي تخوضها على محاور داخلية وخارجية متعدّدة.
أخر حضور “سوري” فاعل ووازن في انتخابات رئاسية لبنانية كان في قرار التمديد للرئيس اميل لحود في خريف 2004. يومها قرَّرت دمشق تحدّي القرار 1559 انطلاقاً من هذا الاستحقاق، والأحداث التي تلت أبرزها الانسحاب السوري من لبنان، أنهت “الأحادية” السورية في اختيار رئيس الجمهورية وبات لدمشق “شركاء” في صناعته.
وهذا ما ترجمه الاتفاق الدولي – الاقليمي على لبنان والرئاسة اللبنانية في ربيع 2008، عندما افضى “اتفاق الدوحة” الى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية بتوافق اقليمي ايراني – سوري – قطري – سعودي، وبمباركة اميركية.
لم يكن أكثر المتشائمين يومها يظنّ أن نصل الى نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان، والاحوال في سوريا على ما هي عليه اليوم. “الحرب الكونية” التي تواجهها دمشق جعلتها تنكفئ نحو الداخل السوري، وتنصرف عن الاهتمامات الاقليميّة التي اعتادت صياغتها او المشاركة فيها طرفاً رئيساً.
في العراق لعبت دمشق دوراً فاعلاً في الانتخابات التشريعية عام 2010. يومها كانت سوريا هي ضامن الحصة السعودية بموافقة ايرانية وتفهّم اميركي. وها هي الانتخابات العراقية تجري بعد اربع سنوات، من دون أن تكون دمشق جزءاً من موازين القوى الاساسية.
بل على العكس، تعمل ايران على حفظ الحضور الرمزي السوري في هذه الانتخابات، فيما لم يعد للرياض من فاعلية في “العملية السياسية” بسبب قرارها الاستراتيجي بدعم الانفصاليّين المتمرّدين في الوسط ومنطقة الانبار.
لبنان بالنسبة الى سوريا ليس العراق، لكنّ المعطيات التي قلّصت حجم النفوذ السوري في الاقليم وانعكست على العراق، هي المعطيات نفسها التي جعلت القيادة السورية توكل امر “الرئاسة اللبنانية” الى حلفائها عبر “حزب الله”.
لا أحد يخفي في العاصمة السورية حماسته لوصول رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون الى قصر بعبدا. يتحدثون عن الرجل الوفيّ الصلب الذي قاتل دمشق بشرف وصادَقها بشرف. لكنّ هذا يظلّ ضمن الصالونات، ولا تداول في اسماء او دخول في التفاصيل، سوى التأكيد أنّ ما يراه “حزب الله” مناسباً تباركه سوريا وتسير به.
هذه الثقة بالحلفاء لا تعني أنّ سوريا ليس لديها مواصفات “رئاسية”، وأنها ليست صاحبة رأي حتى مع الحلفاء في هذا الشأن. والمواصفات السورية لا تبتعد كثيراً عن مواصفات “حزب الله”، التي تتلخص بوجود رئيس جديد يؤمن بأفضل العلاقات بين لبنان وسوريا، ويقف مع المقاومة في خياراتها الاستراتيجية ويتخذ موقفاً واضحاً من مآلات الحرب عليها.
والحال هذه، لن تكون دمشق بعيدة عن الاستحقاق الرئاسي اللبناني. البعض يربط بين احتمال الفراغ في لبنان وبين انجاز الانتخابات الرئاسية السورية في تموز المقبل. وهذا الربط ليس متصلاً بموقف دمشق وحدها بل بتطوّر مجمل الملفات على الصعيد الاقليمي والتي قد تؤدي في مكان ما الى التفاهم على رئيس لبناني بموازين قوى جديدة وقواعد لعبة جديدة.
يقول أحد السياسيين في مجالسه ما مفاده، إنّ الميدان السوري سيدخل لاعباً جدياً على الانتخابات الرئاسية اللبنانية إذا وقعنا في الفراغ، وبهذا المعنى تحضر سوريا في ايّ استحقاق اقليمي، ليس في لبنان وحسب، بل في معظم مناطق النزاع الاقليميّة الساخنة.