أيام معدودة تفصلنا عن اعلان وفاة الديموقراطية، في جمهورية لبنان العظيم، أيام معدودة تفصلنا عن قدر محتوم لا مفرَّ منه.
هل يستشرف اللبنانيون، قادةً وشعباً، حفل عزاء وأخذ بالخاطر، بالوطن الفريد، أرضاً ملهمة تزول، وتواري معها ثقافة المحبة والتلاقي والحوار؟
أبهذه البساطة، وبمسرحة محترفة، ومسخ محنك لأبسط الاصول الديموقراطية والاعراف البرلمانية، يقضي الله على لبنان امراً كان مكتوباً؟
أين بطاركة لبنان. أين يوحنا مارون أول بطريرك للموارنة؟ أين الدويهي، والحويك وعريضه والمعوشي وخريش وصفير والراعي؟ أين هؤلاء الذين أعطي لهم مجد لبنان؟
أين إميل إده وبشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب وشارل حلو؟ أين سليمان فرنجيه والياس سركيس ورنيه معوض وبشير الجميل؟ أين سائر الرؤساء من بعدهم حتى الرئيس ميشال سليمان؟
أين ميثاق 43: “لا شرق ولا غرب”؟ أين رياض الصلح وعبد الحميد كرامي وعادل عسيران وصبري حماده؟ أين توفيق ارسلان وكمال جنبلاط؟
أين عبد الناصر يلتقي فؤاد شهاب في خيمة على حدود لبنان؟
أين الإمام الأوزاعي، وعبد القادر الجزائري والإمام موسى الصدر، ومحمد مهدي شمس الدين؟
هل تقوى رياح صحراوية وانبعاثات نفطية، من حضرموت والحجاز، من اربيل وبلاد فارس، على اقتلاع جذور أرز خالد جاء ذكره في الكتب والتوراة مرّات ومرات، منذ كان الزمان وكان لبنان؟
ما كنت احسبنا نحيا الى زمن يساءل فيه بطريرك انطاكيا وسائر المشرق، في عقر دار الصرح البطريركي، كيف يسمح لنفسه بزيارة بيت المقدس والناصرة وبيت لحم، ونهر الاردن الذي غسل يسوع فيه قدميه؟ زيارة تترافق وزيارة رأس الكنيسة البابا فرنسيس مهد المسيح وكنيسة القيامة؟
ما كنت احسبنا نحيا الى زمن، تنقلب فيه الادوار رأساً على عقب، فيصبح رمز البلاد وحامي الدستور، من كان بحكم الدستور يسمي الحكومة ويقيلها، يصبح رئيساً محكوماً، بحكم اختلاف أهل البيت، فتتحول مكونات وطن بأسره، عن نعيم كان يغمرها بحكمة رئيس ينتمي الى إحدى أكبر مكوناته، يرعى حرماتها ويحمي خصوصيتها، يراعي تبايناتها التاريخية الموروثة، رئيس ينتزع منه مكوّن دهري لهيبة الرئاسة، جرّاء تبعثر ارادات أهل البيت وابناء الصف الواحد، حوله، مقابل توحّد المكونات الأخرى بالموقف والقرار؟
نحن هنا! وسنبقى على أرض لبنان، ارض التلاقي، والحوار، أرض وطأتها اقدام السيد، في قانا الجليل وهضبة التجلّي.
نحن ابناء مارون، نشهد للانجيل، نعمل على التلازم بين دور العلمانيين في الكنيسة وبين حضورهم الفاعل في المجتمع.
همّنا النهوض بالأمة اللبنانية، بكل مكوناتها، تحقيقاً للرسالة الملقاة على عاتق الموارنة عبر التاريخ، صوناً لاستقلال الوطن وكيانه وسيادته وحرية ابنائه ضمن الأسرة العربية، وهو أول من وقّع ميثاق جامعتها العربية.
يترتب برأينا، على كل مواطن مخلص، في هذا الظرف العصيب، استصراح ضمير اخوانه في لبنان وبلاد الانتشار، قيادات ونواباً وأفراداً، للحضور الى المجلس النيابي، قبل فوات الأوان، وممارسة واجبهم الدستوري بانتخاب رئيس للبلاد. وعلى كل مواطن يؤمن بديمومة الوطن، دعوة جميع اللبنانيين واللبنانيات، للنزول فوراً الى الشوارع والساحات، بهتافات مدوية واعتصامات متواصلة، حتى القيام بالواجب الدستوري المقدّس.
ولتسطع شمس مارون في الجهات الاربع، ليس فقط بالترانيم والاناشيد والاهازيج، بل بالممارسة الفعلية للحريات الديموقراطية، لئلا تصبح الترانيم لحناً حزيناً، يذكّر بأمير غرناطة أبي عبدالله إبن الأحمر الذي خرج من قصره منهزماً باكياً، فقالت له أمه عائشة:
إبكِ مثل النساء ملكاً مُضَاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال، ولئلا نردّد مع أمريء القيس:
“قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل…”.