يشي سلوك قوى 8 آذار حيال ازمة العسكريين المخطوفين منذ اسابيع لدى التنظيمات الارهابية والتكفيرية وما نتج من عملية الاسر من تداعيات، بأن هذا الفريق قد ترك ادارة ملف هذه الازمة لفريق 14 آذار وانسحب بلا صخب الى خلفية المشهد بعدما وضع ضوابط وحدودا محظرا تجاوزها وفي مقدمها عملية المقايضة مع سريان معلومات تقول ان هذا الفريق كان ميالا الى فعلها لو خلّي بينه وبينها.
هكذا تحققت نبوءة الذين قالوا منذ الايام الاولى لتأليف الحكومة الحالية ان رموز 14 آذار تسلموا كرة نار مذ تسلموا الوزارات التي اسندت اليهم وبات عليهم ان يكونوا وجها لوجه امام الشريحة الاوسع من المواطنين. وعليه بدأت قوى 8 آذار تضغط على الجرح وتمارس سرا وعلانية سياسة حشر الفريق الآخر ولا سيما وقد سارعت الى اخذ موقع المعارضة وبدأت تكبل يد هذا الفريق بالكثير من المحاذير والمهمات الثقيلة الوطأة والمفتوحة دوما على فصول دراماتيكية.
في ايام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كانت نيران الحرب المشتعلة على المحاور التقليدية في طرابلس تربك تلك الحكومة وتأكل من رصيد رئيسها، اما الآن فأهالي العسكريين المأسورين في جرود عرسال ومن يتعاطف معهم يحمّلون الرئيس تمام سلام مسؤولية ابنائهم، ويوجه المتعاطفون مع المؤسسة العسكرية الكلام اليه من دون سواه مطالبين اياه بالاقدام بعدما صار الصراع من الآسرين صراع ارادات وعملية عض اصابع. الى ذلك، فإن القوى والشارع المحسوب على 8 آذار يحملون سلام وحكومته تبعة التراخي والارباك والادارة الرخوة لملف معركة عرسال من بداياتها، وهي السياسة التي، برأيهم، اهدرت تضحيات عناصر الجيش وفتحت الباب امام اسر عناصره ومعهم اسر القرار في البلاد وجعله بيد تنظيم “داعش” المتغول والمتوحش. والواضح ان الرئيس سلام استشعر وطأة التطور الدراماتيكي الى درجة انه تمنى جهارا لو كان بامكانه ترك منصبه الذي انتظر نحو سنة للوصول الى سدته وصار لزاما عليه الخروج الى الناس كل يوم بما يطمئنهم، داعيا اياهم الى التحلي بضبط النفس لانه لن يتخلى عن اولادهم خصوصا بعدما بلغت الاوضاع في البقاع في الساعات الاخيرة مرحلة متقدمة من التعقيد والتأزم الى حد جعل الكثيرين يستذكرون ظروف البلاد عشية اندلاع الحرب الاهلية عام 1975، لاسيما بعدما سادت عمليات الخطف والخطف المضاد وخرج الناس الى الشوارع والساحات ساعين لأخذ حقوقهم بذراعهم في مشهد بدت معه الدولة في اضعف حالاتها، وبدا معه الجيش منهكا ومشتتا وهو يبذل الجهود الجبارة لكبح جماح التدهور والفلتان وفتح الطرق المقطوعة وتأمين اطلاق المخطوفين واعادة الامور الى طبيعتها. وفي كل الاحوال بات واضحا ان قوى 8 آذار وضعت الفريق الآخر في وضع لا يحسد عليه اطلاقا بعد احداث عرسال الاولى والثانية، بدا معه وكأنه يضيع في متاهة الورطة التي تكاد تبلغ مقام الكارثة الوطنية، ولا سيما ان تنظيم “داعش” ماض قدما في ذبح الجنود المأسورين لديه واحدا تلو الآخر ووفق سياسة 6 و6 مكرر، ولا يبدي اية ليونة ولا يتجاوب مع الوساطة القطرية، او لا يعطيها الفرصة اللازمة ولا يعطي الحكومة اللبنانية فرصة لالتقاط الانفاس. وابعد من ذلك، فإن من الملاحظ ان قوى 8 آذار وضعت دفتر شروط ومضبطة سلوك للحكومة وعمودها الفقري اي 14 آذار لمواجهة الموقف الخطر، ومن ابرز بنود هذا الدفتر:
– اشعار الحكومة دوما بأن اداءها رخو وبأنها متهمة بعدم تأمين التغطية اللازمة للجيش ابان خوضه غمار المعركة في عرسال، مما افضى لاحقا الى الوضع الراهن الصعب والمعقد.
– ان الرئيس سلام يقارب الملف بطريقة تفتقر الى الحزم والاقدام، فهو تحدث عن وجود اوراق قوة لدى الحكومة لمواجهة ابتزاز الخاطفين وشروطهم، لكن الحكومة لم تستخدم هذه الاوراق او جزءا منها على الاقل مع ان الاوضاع بلغت حد الحشرة، واكتفى سلام بخيار التفاوض والاستنجاد ببعض العواصم مع ادراكه المسبق بأن هذا النهج انما ينطوي على شعور بالعجز والدونية ويقوي مواقع الارهابيين ويجعل كلمتهم هي العليا، علما ان هذا النوع من الاوضاع يحتاج دوما الى نهج الخيارات المفتوحة والمتعددة.
– ان فريق 8 آذار بدأ يتحدث في اوساط جمهوره عن عناصر القوة التي يمكن الدولة وقواها الامنية اللجوء اليها لحوار متكافئ ومثمر مع الارهابيين، ومنها على سبيل المثال قطع طرق التواصل وسبل الاتصال بين عرسال وجرودها بشكل حقيقّي وجدي على نحو يحاصر الارهابيين في الجرود القصية ويقطع حبل الامداد عنهم، اضافة الى القبض على اللبنانيين والسوريين الذين شاركوا في القتال ضد الجيش في داخل عرسال او في خارجها، وضرورة ضبط الوضع في سجن رومية والحد من “فرعنة” رموز الارهاب المعتقلين هناك وتحكمهم بالموقف، فضلا عن الاقلاع نهائيا عن الحديث عن المقايضة.
– لم يكن امرا عابرا في رأي البعض ان يغادر رئيس مجلس النواب نبيه بري البلاد في اجازة خاصة، وهو مشى بعدما قال كلمته وحذر مرارا من بلوغ الاوضاع مرحلة حافة الهاوية. فضلا عن ذلك، فإن رموزا من فريق 8 آذار بعثوا بأكثر من رسالة الى من يهمه الامر فحواها ان هذا الفريق لم يعد يهاب فلتان الوضع ولا يخشى بلوغ الاوضاع حافة الهاوية، وبالتالي لم يعد بمقدور احد التهويل بـ”داعش” وبتمددها، فخطرها يهدد الجميع بلا استثناء والاستقواء بها لم يعد مجديا لأحد.
– الى ذلك كله، رسم فريق 8 آذار، وبالتحديد “حزب الله”، رؤيته لمواجهة الموقف والتداعيات المحتملة، ومنطلقها الاول الحزم والاقدام في المواجهة الميدانية للتكفيريين في عرسال وجرودها واشعارهم بأن كل الخيارات متاحة وان اوراق القوة التي كثر الحديث عنها هي حقيقة وجادة. وبمعنى آخر على الحكومة التي نادى العديد من رموز القوى المشاركة فيها بضرورة استرداد قرار الحرب والسلم، ان يكون لها حصرا ان تنجح في امتحانها هذا وتحديها الماثل بعناد لتبرهن انها جديرة بذلك. وثانيا دعوة الفريق الآخر الى الجلوس معا بطريقة موضوعية وجادة وليس فقط لتسجيل النقاط على طريقة ما سمي بمبادرة الرئيس فؤاد السنيورة وذلك بغية الاتفاق على سبيل واقعي لمعالجة كل القضايا والملفات العالقة. وثالثا رفع الصوت تدريجا لتشريع مسألة فتح قنوات التنسيق مع الدولة في سوريا لعمل مشترك لجبه هجمة التكفيريين.