«يا تقبرني… رجعتلي روحي». زغردت الحاجة وهي تشم كتفي اللواء عباس إبراهيم، مهنئة بسلامته من التفجير الانتحاري عند حاجز ضهر البيدر. هي واحدة من المئات من أبناء بلدته كوثرية السياد (قضاء الزهراني) ومحيطها، الذين قصدوه في منزل عائلته خلال اليومين الماضيين. رغم تصدر الروايات عن استهدافه في وسائل الإعلام، لم يغيّر المدير العام للأمن العام عادته الأسبوعية. خلّف زحمة الاتصالات والمواعيد في بيروت ولجأ إلى مسقط رأسه.
بسهولة، تدخل الجموع بين عناصر الحماية الأمنية من دون تفتيش. يتحلقون حول إبراهيم في جلسة يندمج فيها الناس مع الضباط والنواب والمسؤولين. بملء فمه، يؤكد أن تفجير ضهر البيدر لم يكن يستهدفه شخصياً. بصوت عال، يحسم روايته لما جرى يوم الجمعة، بعد التدقيق وجمع الأفكار. يوم الأربعاء الفائت، رصد ضباطه وثيقة الموساد التي نشرتها الصحافية الإسرائيلية، جولي بو عراج، على صفحتها على موقع فايسبوك، بشأن الإعداد لاغتياله. وثيقة أضافها إبراهيم إلى عشرات التقارير المماثلة التي تلقّاها في الأشهر الماضية، من أجهزة استخبارات محلية ودولية. فجر الجمعة الفائت، كان في انتظاره على مكتبه في المديرية وثيقة عاجلة مصدرها استخبارات دولة غربية، تتحدث عن مخطط لتنفيذ عملية انتحارية بعد صلاة الجمعة واستهداف مؤتمر المخاتير الذي دعت إليه حركة أمل في قصر الأونيسكو. اتصل بالرئيس نبيه بري لثنيه عن الحضور، كما اتصل برئيس الحكومة تمام سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق لوضعهما في الأجواء. ثم اتصل بأسرته، طالباً منهم البقاء في المنزل. نصح إبراهيم المعنيين بحظر التجوال وركب سيارته متوجهاً إلى معبر المصنع بهدف افتتاح مركز جديد للأمن العام، عبارة عن مختبر لفحص المستندات والهويات المزورة. وكان من المقرر أن يقصد شتوره في طريق العودة لتلبية دعوة غداء على شرفه بحضور البطريرك غريغوريوس لحام. شرح للحاضرين كيف أن سيارة الانتحاري اجتازت موكبه مرات عدة بسرعة فائقة حتى سبقته باتجاه الحاجز. سرعة ربما لها الفضل، برأيه، في نجاته من التفجير، إلى جانب الصدفة.
كان إبراهيم يستقبل الجموع ويتلقى اتصالات من شخصيات لبنانية وعربية ودولية تهنئه بالسلامة. يدرك هؤلاء أن قريبهم أو جارهم بات اسماً صعباً، يخشى كثيرون على أمنه الشخصي. قيادة اليونيفيل، على سبيل المثال، أهدته عقب تفجير ضهر البيدر مكعبات أسمنتية نقلت في غضون ساعتين إلى محيط منزله في بيروت، لتعزيز الإجراءات الأمنية حوله. بالتزامن، كان إبراهيم يتابع هاتفياً سير التحقيقات في ملف مجموعة فندق «نابليون». تبلغ أن الشخص الذي قصدته الوثيقة أنه كان ينوي تنفيذ عملية انتحارية الجمعة الفائت «من جزر القمر يحمل الجنسية الفرنسية وقد اعترف بذلك». في الوقت ذاته، أطلعه أحد مساعديه على بيان نشرته اللبنانية الإسرائيلية جوانا الحاصباني على صفحتها على فايسبوك، أكدت فيه صحة الوثيقة التي نشرتها زميلتها أبو عراج حول خطط اغتيال إبراهيم. ولفتت المحررة لشؤون الشرق الأوسط في التلفزيون الإسرائيلي الى أن جيش العدو «بدأ مؤخراً باتباع تكتيك أمني جديد وضعه الموساد، يقضي بتمرير معلومات أمنية هامة يستحصل عليها هذا الجهاز من عملائه في لبنان، لا سيما الموجودين داخل المخيمات الفلسطينية وتجمعات النازحين السوريين، لبعض الإعلاميين والأشخاص الذين ينشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة أبناء الجالية اللبنانية الموجودين في إسرائيل، عبر مواطنين يهود يعملون لصالح الموساد تربطهم علاقات وطيدة مع هؤلاء». وأكدت الحاصباني التي فرّت مع العملاء عند تحرير الجنوب، أن الهدف من التسريب «الحفاظ على أمن وسلامة الدولة العبرية من خارج أراضيها بعد تفشّي ظاهرة الجماعات المتطرفة، ما يؤدي الى زعزعة أمن المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للحدود اللبنانية».
انطلاقاً ممّا سمعوه، لا يقتنع كثيرون في الزهراني بأن إبراهيم لم يكن مستهدفاً. قبل وصوله إلى كوثرية السياد، ارتفعت عشرات اللافتات المرحبة والمهنئة بالسلامة. تلقّى دعوات عدة من رؤساء بلديات وفاعليات يرغبون في إقامة حفلات استقبال شعبية وذبح خراف. لم يرفض، ليس لأنه «ما في شي محرز» فحسب، بل بسبب حذره من التعاطي معه على أنه زعيم شعبي وسياسي.