Site icon IMLebanon

إجتماع أمني – قضائي لتحريك قضية المخطوفين وتثبيت الإستقرار

فيما ينصبّ الاهتمام العالمي على بناء تحالف دولي ـ إقليمي لمحاربة الإرهاب، وفيما يعيش لبنان تردّدات أزمات المنطقة، وسط سباق محموم بين التهدئة والفتنة الطائفية، دعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي في الذكرى السادسة والثلاثين لتغييب الإمام موسى الصدر إلى استراتيجية وطنية لمواجهة الإرهاب، مؤيّداً مقرّرات بطاركة الكنائس الشرقية ودعوتَهم إلى «مكافحة آفة التطرّف الديني والمذهبي»، ومُعتبراً أنّ «الاتّفاق على استراتيجية دفاعية وتعميم المقاومة إلى جانب الجيش في كلّ اتّجاه أصبح أمراً وطنياً لازماً، بل ضرورة وطنية بديهية»، ومشدّداً على أنّ «المطلوب دولياً ليس مواجهة مجزّأة للإرهاب، بل قرارات تدعم سيادة الدوَل ووحدة أراضيها ومؤسساتها وشعوبها وتكويناتها.

بدا لبنان في عطلة الأسبوع كأنّه في سباق محموم بين التهدئة والفتنة الطائفية التي أطلّت برأسها من الاشرفية وطرابلس بعد إعادة توزيع صورة إحراق راية تنظيم «الدولة الإسلامية» في ساحة ساسين وما قابلها من حرقِ صلبان وكتابة شعارات «داعش» على جدران كنائس في عاصمة الشمال، في وقتٍ ظلّ ملف المخطوفين العسكريين لدى الإرهابيين مفتوحاً على مصراعيه، على رغم إفراج «جبهة النصرة»عن خمسة جدُد منهم، بينهم اربعة عسكريين في الجيش وعنصر من قوى الأمن الداخلي، وتوعّدت بتصفية الأسرى العسكريين الشيعة لديها إذا شارك «حزب الله» في القتال ضدها في القلمون بعدما اعلنَت عن انطلاق معركة تحريرها.

واتّهمَت «التيار الوطني الحر» بأنّه «حرمَ بأفعاله اﻷخيرة عدداً من أبنائكم (المسيحيين) بأن يعودوا من اﻷسر»، ونصحَته قائلة: «إلزموا الحياد بيننا وبين الحزب اﻹيراني (حزب الله)».

مواكبة حكومية

في غضون ذلك، واصلَ أهالي المخطوفين تحرّكهم الإحتجاجي على الأرض، فقطعوا الطرُق بقاعاً وشمالاً، وطالبوا الدولة بالإسراع في تحرير أبنائهم. فيما فجَّر أحد العسكريين المحررين مفاجأة تمثّلت بإعلانه أنّ الرقيب علي أحمد السيّد، الذي بَثّ الإرهابيون صوَراً تُظهر عملية ذبحه منذ أيام، «لا يزال على قيد الحياة»، وأنّ «جبهة النصرة» قد أبلغَتنا ذلك»، من دون إعطاء أيّ معلومات إضافية.

وفيما أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق «أنّنا نعمل على مفاوضات قد تفضي إلى إطلاق عسكرَيين مسيحيين اثنين قريباً»، أكّد وزير العدل أشرف ريفي حرصَ الدولة على إطلاق جميع العسكريين بلا تفرقة. من جهته، شدّد وزير الصحة وائل ابو فاعور على وجوب تحرير المخطوفين «ولو اقتضى الأمر تضحياتٍ ما من الدولة».

واجتماع أمني

وعلى وقع أجواء الاضطراب الداخلي، حضرَت التطورات الأمنية برُمّتها في اجتماع عُقد في السراي الحكومي مساء امس برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام وحضور وزراء الدفاع والداخلية والعدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد، والمدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمّود.

حضرَ الاجتماع قائد الجيش العماد جان قهوجي، والمدير العام لأمن الدولة اللواء جورج قرعة، والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع محمد خير، ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، ومدير المخابرات العميد ادمون فاضل ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد عماد عثمان.

وأبدى سلام ارتياحه الى الإفراج عن العسكريين الخمسة، آملاً في أن تفلح الجهود المبذولة في تحرير جميع المفقودين من أفراد الجيش وقوى الأمن الداخلي وإعادتهم الى عائلاتهم سالمين. وأكّد «أنّ اللجنة الوزارية الخاصة بمتابعة هذا الملف ماضيةٌ في عملها بدأبٍ وصبر، وبعيداً من الأضواء، لإنهاء هذه المأساة الوطنية في أسرع وقت ممكن».

واستمعَ المجتمعون إلى عرض للقادة الأمنيين تناولَ الأوضاع الأمنية في جميع المناطق اللبنانية، خصوصاً في منطقة عرسال، التي ما زال المسلحون غير اللبنانيين المنتشرون في الجرود يشكّلون مصدرَ تهديد لها. وحصلَ نقاشٌ مسهَب حول جميع المعطيات الأمنية والإجراءات الواجب اتّخاذها لتحصين الاستقرار. واتّخِذت القرارات المناسبة.

وقالت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية» إنّ سلام تمنّى عليهم الحفاظ على سرّية المداولات والقرارات التي اتُّخِذت حفاظاً على سلامة الوضع الأمني في البلاد ولحماية المخطوفين العسكريين.

ولكنّ بعض المعلومات التي تسرّبَت ولم تقارب المضمون ذكرت أنّ وزيرَي الدفاع والداخلية قدّما عرضاً لصورة الوضع الأمني والتحضيرات الجارية لمواجهة أي طارئ على الأرض في عرسال ومناطق أخرى، على رغم التطمينات التي تلقّتها القيادات الأمنية بأنّ الوضع الأمني ممسوك وأنّ هناك قرارات سياسية وحزبية تواكب عملَ الأجهزة الأمنية تؤكّد أنّ أيّ ردّات فعل لن تخرج عن المألوف ولن تكون لأيّ أحداث، مهما بلغ حجمها، انعكاسات على الوضع الأمني في بقيّة المناطق، ولا سيّما منها ما يمكن تسميته «مناطق حساسة» والتي تشكّل خطّ تماس بين أفرقاء منقسمين حول الموقف ممّا يجري على الساحات الأمنية والعسكرية من عرسال الى الداخل السوري.

وتحدّث ريفي عن الظروف التي أملَت القرارات الأخيرة التي اتّخذها ردّاً على ما جرى من مَسّ بالشعائر الدينية في الأشرفية وردّ الفعل في طرابلس، وعن الدور القضائي في تنفيذ ما اتُّخِذ من قرارات.

مصادر قضائية

وقالت مصادر قضائية لـ«الجمهورية» إنّ المجتمعين اطّلعوا على ملف محاكمات الإسلاميين في سجن رومية، واستمعوا إلى شرحٍ عن مساره، حيث تبيّنَ أنّ نسبة 66,6 في المئة قد أُنجِزت وصدَرت فيها الأحكام وسيُفرَج عن كلّ مَن يتبيّن أن لا جرمَ عليه، وستُستكمل المحاكمات بالسرعة المطلوبة وفي معزل عن ملف العسكريين المخطوفين.

وفي الوقت الذي كان الاجتماع منعقداً تسرّب تسجيل صوتي للناطق الإعلامي باسم «الجماعة الإسلامية» أحمد الأيوبي تحدّث فيه عن «مبشّرات جدّية في ملف العسكريين»، وقال: «أصبح هناك اقتناع كبير لدى الحكومة بأنّه لا يمكن حلّ هذا الملف من دون إطلاق أعداد من الموقوفين».

وأضاف: «الآن في هذه اللحظات يتمّ وضع بداية اللمسات لإخراج موضوع إطلاق السراح وأيضاً إنهاء ملف العسكريين اللبنانيين». وأبدى اعتقادَه «أنّنا سنشهد خلال ساعات انتصاراً لأخواننا المجاهدين وخزياً وعاراً لحزب إيران، واعداً بكشف المزيد قريباً».

برّي

وفي هذه الأجواء، أطلّ رئيس مجلس النواب نبيه بري في الذكرى السادسة والثلاثين لتغييب الإمام موسى الصدر أثناء زيارته لليبيا، وأكّد في كلمة وجّهها الى اللبنانيين أنّ «إنجاز الاستحقاق الرئاسي سيبقى يحتلّ موقع الأولوية، لأنّ الدولة لا يمكن ان تبقى بلا رأس، وثقة العالم بلبنان ستبقى مهتزّة إذا استمرّ العجز عن إنجاز انتخابات الرئاسة.

واعتبر «أنّ الوحدة الوطنية الآن وفي كلّ آن تشكّل ضرورة وطنية في سبيل مواجهة الإرهاب»، ومواجهتُه ليست مسألة أمنية او عسكرية فقط، إنّها مسألة تفكيرية تثقيفية وطنية تحتاج الى تعبئة وطنية وإلى ثقافة وطنية راسخة وإلى تحصين البيئة الوطنية بمواجهة فكر التكفير والتعصّب».

ورأى أنّ التصدّي للارهاب التكفيري «ليس مسؤولية السُنّة في لبنان، كما أنّ التصدّي للعدوان الاسرائيلي ليس مسؤولية الشيعة، والتصدّي لتهجير الأقليات ليست مسؤولية المسيحيين. إنّ التصدي للارهاب والعدوان والتهجير هو مسؤولية وطنية مشتركة تعبّر عنه الدولة الواحدة، ومن الضرورة بمكان ان يكون مسؤولية عربية ودولية مشتركة».

وشدّد برّي على أنّ «المطلوب دولياً ليس مواجهة مُجزّأة للإرهاب واتّخاذ قرارات لدعم جغرافية أقاليم عرقية أو طائفية أو مذهبية أو حتى قومية»، بل قرارات «بدعم سيادة الدوَل ووحدة أراضيها ومؤسساتها وشعوبها وتكويناتها لتأكيد انحياز العالم الى نظام المنطقة».

ورأى أنّ «المطلوب وطنياً تأكيد الاستثمار على زيادة قوّة الردع الوطنية التي تُميّز الجيش اللبناني، وزيادة عديده وتحديث عتاده وإنجاز إيصال المعدّات المطلوبة له من فرنسا بموجب المكرمة السعودية الاولى، وتوظيف المكرمة الثانية وبالسرعة المطلوبة، والانتباه الى ضرورة تنويع مصادر الاسلحة، خصوصاً أنّ دوَلاً عدّة عرضَت ولا تزال تعرض تقديمَ سلاح حديث للجيش».

وأكّد بري «انحياز حركة «أمل» إلى المقررات التي اتّخذها بطاركة الكنائس الشرقية في بكركي ودعوتهم الى مكافحة آفة التطرّف الديني والمذهبي». واعتبر أنّ «الاتفاق على استراتيجية دفاعية وتعميم المقاومة الى جانب الجيش في كلّ اتّجاه أصبح أمراً وطنياً لازماً، بل ضرورة وطنية بديهية».

ورأى أنّه «آن الأوان لضخّ الحياة في مشروع الدولة والعبور فعلياً إلى هذه الدولة، ورسم خريطة طريق الى ذلك يلتزم خلالها الجميع بتنفيذ كلّ اتفاق الطائف بشقّيه الدستوري والإصلاحي، لا التلاعب استنسابياً بتنفيذه».

وأكّد «أنّ العبور الى الدولة يستدعي التزام الجميع بالدستور ووقف سياسة تعطيل مؤسسات الدولة لحساب، أو على حساب، مؤسسة أخرى حصل فيها شغور أو استقالة»، وجدّد تحذيره من «الفوضى البنّاءة التي تضرب المنطقة».

بين الأشرفية وطرابلس

وكان حرقُ راية «داعش» في الأشرفية وجد صداه سريعاً في طرابلس فعمدَ مجهولون الى تجميع صلبان وحرقِها، وكتابة عبارة «دولة الإسلام قادمة» على جدران كنيستين في القبّة، سرعان ما أزالها الجيش، معزّزاً انتشارَه في محيط الكنائس في المدينة.

ريفي

وقد طلب ريفي إجراء التحرّيات للتثبت من خبر حَرق الصلبان وملاحقة الفاعلين وتوقيفهم، بعدما كان طلبَ ملاحقة حارقي راية «داعش» وتوقيفهم، الأمر الذي أثار «التيار الوطني الحر» وتمنّى على وزير العدل العودة عن قرار الملاحقة.

ومساءً، كرّر ريفي التشديد على أهمّية القرارات التي اتّخذها، وقال لـ«الجمهورية»: «من موقع مسؤوليتي الوطنية كان لا بدّ من التفكير في أفضل الوسائل والطرق لحماية الوحدة الوطنية والعيش المشترك اللذين يشكّلان أقوى نقاط قوّة لبنان ومنعته والقيمة المضافة التي يشكّلها هذا الوطن في هذه المنطقة من العالم».

وأضاف: «ما يجب حمايته اليوم يتّصل بما جعلَ لبنان بلد رسالة وليس وطناً تقليدياً. ولذلك أفهم ما حصل وكنتُ احتسبه، وإنّ ردّات الفعل التي حصلت كانت إيجابية، فالبعض ممّن امتعضَ في اليوم الأوّل فهم أهمّية الموقف في اليوم التالي».

فتفت

ودان عضو كتلة «المستقبل» النائب احمد فتفت حرقَ الصلبان وكتابة شعارات مسيئة على جدران الكنائس في طرابلس. وقال لـ«الجمهورية»: «نستنكر كلّ ما يحصل، وهو أمر مرفوض حتى كردّة فعل، أوّلاً لأنّ الدين الاسلامي يرفضه، وثانياً لأنه انجرارٌ إلى الفتنة التي يسعى لها مَن وزّع صوَر إحراق علم «داعش».

وأضاف: «نحاول قدر الإمكان لجمَ الفِتن التي تنمّ أحيانا عن غباء، وأنا لا ألوم القائمين عليها لأنّهم يتصرّفون بسطحية، إلّا إذا كانت أجهزة مخابراتية وراءَهم ، لكنّ ما ألومه هو بعض التصريحات السياسية التي تذهب في اتّجاه الفِتن، فبدلاً من أن تتفاداها فهي تشجّع وتدافع وتضع نفسَها في موقع خطير، وما قام به اللواء ريفي من خلال إحالة الجميع إلى القضاء كان الطريقة المثلى لتفادي الفعل وردّة الفعل» .

وعن هوية كاتبي الشعارات على جدران الكنائس، قال فتفت: «مثلما يوجد مجانين من هنا يوجد مجانين من هناك». وأضاف: «سنتعاون جميعاً لكي لا يكبر ما حصل، ولنردعه بالقانون وبالموقف السياسي وبالمنطق، فهُم ينجرّون الى فتنة لا مصلحة فيها لأحد».

وعن عبارة «دولة الإسلام قادمة إلى طرابلس»، قال فتفت: «لا شيء فيها من الصحة، بل فيها انفعالية وغباء، ثم إذا وصلت «داعش» فهي ستطاول السنّة في الدرجة الاولى، وتحديداً الاعتدال السنّي، إذ ستعتبرهم مرتدّين، فالخوف ُموجود اليوم لدى كلّ الطوائف، والوضع يتطلب كثيراً من الدراية لوأد الفتنة».

كبّارة لـ«الجمهورية»

أمّا نائب طرابلس محمد كبارة فاعتبر حرقَ الصلبان بأنّه «عمل ولدَنة لا يستأهل التعليق أو الحديث عنه وإلّا فسنكون بذلك نكبّره ونعطيه حجماً أكبر من حجمه». وقال لـ«الجمهورية»: «ما حصل شغلة «ولدنات» ولن يؤثّر على طرابلس وأبنائها، فهي مدينة التعايش والعيش المشترك، والحاضنة للجميع، وطرابلس مدينة تؤمن بالدولة والمؤسسات والجيش».

لقاء «سيّدة الجبل»

إلى ذلك، وفي زمن الاستقطاب المذهبي الحاد الذي تبحث فيه كلّ طائفة عن حلول بمعزل عن الأخرى، وفي زمن انقسام المسيحيين بين رؤيتين لدورهم في لبنان والمشرق العربي، قدّم لقاء «سيّدة الجبل» أطروحة متكاملة لتحدّيات المسيحيين تقوم على ربط مصيرهم بمصير المسلمين على قاعدة أنّ الحلّ هو في «العمل جنباً إلى جنب مع المسلمين من أجل عالم عربي متنوّر، ديموقراطي وتعدّدي»، وأنّ حماية المسيحيين لا تكون من خلال تحالف الأقليات، وأنّه لا يجوز التمييز بين إرهاب وإرهاب، كما الدعوة إلى تعميم اتّفاق الطائف والتجربة اللبنانية على كلّ الدول العربية.

وقد تميَّز اللقاء بحضور الرئيس فؤاد السنيورة وكلمته التي أكّد فيها انحياز المسلمين إلى التجربة اللبنانية بقوله: «أنا أعتبر أنّكم أنتم المجتمعون هنا أقرب إليّ، أكثر من الذي يرفع راية ولاية الفقيه في طهران، أو راية الخليفة الحاكم في الموصل والرقة، لأنّكم تشبهون لبنان وتشبهون شعبَ لبنان وتاريخ لبنان بماضيه وحاضره، وطموح اللبنانيين إلى مستقبل آمن وزاهر».

وقد تركت كلمة السنيورة انطباعاً لدى المشاركين بأنّ «الانتساب السنّي للتجربة اللبنانية بعد انتفاضة الاستقلال أوضح بكثير من انتسابه بعد العام 1943».

كذلك تميَّز اللقاء بحضور شخصيات عربية وبمشارَكة الاغتراب اللبناني، ومناقشة علمية لكلّ التطورات، ودعوة مثلّثة الأضلاع: إلى اللبنانيين للتمسّك بالنموذج اللبناني، وإلى العرب من أجل أن يستنسخوا التجربة اللبنانية، وإلى الغرب من أجل أن يبادر ليس لحماية المسيحيين، بل لحلّ الأزمات المُزمنة والمستجدّة، من القضية الفلسطينية إلى الأزمة السورية وما بينهما النفوذ الإيراني والملف النووي.