في انتظار ما ستؤول اليه مبادرة «هيئة العلماء المسلمين» التي بدأت أمس مشوار استعادة المخطوفين من الجيش والقوى الأمنية قبل الحديث عن أيّ وقف للنار أو آلية للحل، ستبقى أحداث عرسال مدار تحليل لفهم الخلفيات التي خاضَ على أساسها «الدواعش» عمليتهم في المنطقة. وإذا صحّ أنّهم استعادوا شيئاً من منطقة القلمون السورية كما يدّعون، فما الذي جاء بهم الى عرسال؟
دخل وزراء كثر أمس الى جلسة الحكومة التي خُصّصت للبحث في بند واحد أحد هو «الوضع في عرسال»، وخرجوا منها من دون أن يفهموا ما الذي يحدث تحديداً في عرسال على أكثر من مستوى أمني وعسكري.
وفيما كان البعض ينتظر شرحاً مفصّلاً لواقع المنطقة وخريطة انتشار القوى العسكرية وحجمها وقدراتها العسكرية واللوجستية وطبيعة المهمة التي يقوم بها الجيش، طُرح عليهم ما يمكن تسميته خلاصات الإجتماع الأمني الذي عقد قبل يوم في السراي، ولم يتناول العرض أيّ إشارة الى الأسباب والظروف التي قادت الى الواقع الجديد الذي عاشَته البلدة في الأيام الماضية، وما الذي جاء بهذا الكمّ من «الدواعش» الى المنطقة والأهداف التي جاؤوا من أجلها.
بعض الوزراء «الأمنيين – الوسطاء» كانوا على علم بتفاصيل كثيرة محيطة بالملف. فالإجتماع الأمني الذي شارَك فيه أمس الأول الوزراء المختصون بالشؤون الأمنية والإغاثة وقادة الأجهزة العسكرية والأمنية استعرضوا وقائع كثيرة قادَت الى العملية العسكرية التي نفّذها الجيش قبل تحديد حاجيات القوى العسكرية لإتمام المهمة التي كُلِّف بها وما تستلزمه المرحلة المقبلة طالما أنّ «العدو الداعشي» بات على الأبواب، ولا يعرف أحد متى يُقرّر عبور التلال والجرود المؤدية الى عرسال ليصطدم بالجيش مرة أخرى.
فالمنطقة الفاصلة بين الأراضي اللبنانية المأهولة والسورية غير مَمسوكة أمنياً وليس من السهل ضبطها ورصد ما يمكن أن تشهده من تحرّكات تحت جنح الظلام أو في وضح النهار، على رغم الحديث المتنامي عن أنّ الجيش السوري و»حزب الله» قد بَسطا سيطرتهما على المنطقة بأكملها وأنهيا وجود «الإرهابيين والتكفيريين» فيها.
وفي المعلومات المتداولة أنّ ما شهدته منطقة القلمون في الأيام القليلة الماضية خلق واقعاً جديداً لم يتناوله أحد بعد. فتزامناً مع الحديث عن حسم النظام السوري وضع المنطقة، استعادت «داعش» مناطق واسعة من منطقة القلمون السورية الشاسعة وباتت تتحكّم بكثير من المناطق المؤدية الى عرسال والجرود الواقعة جنوبي – شرقي البلدة وصولاً الى بعض المناطق التي توفّر الإتصال مع ريف دمشق الغربي لجهة الحدود اللبنانية – السورية، كما بالنسبة الى ظهور بعض مجموعاتها في جرود منطقة القُصير، والتي استخدمتها قبل ايام لرماية بعض الصواريخ في اتجاه قرى الهرمل اللبنانية وشمال عرسال.
وإذا صَحّت هذه النظرية، فما الذي قصَدته قوات «داعش» من مهاجمة مراكز الجيش في عرسال ومحيطها. التقارير الأمنية لم تُسجّل سابقاً أيّ مواجهة مباشرة بين الجيش وهذه القوات للقيام بعملية انتقامية. فالجيش اللبناني حاذَر الاقتراب من الأراضي السورية وخصوصاً تلك التي لم تُرسَم بعد، ولا علامات فارقة تفصل بين أراضي الدولتين ليُقال إنها أرادت الانتقام منه وإلّا فإنّ توقيف القيادي في «جبهة النصرة» عماد جمعة كان سبباً في العملية. لكنّ قراءة قائد الجيش العماد جان قهوجي، التي نَفت أن يكون ذلك سبباً في هذه العملية المنظّمة التي جُنّد لها بضعة آلاف من المقاتلين، مَسنودة الى سَيل من المعلومات والتحقيقات ولا مجال للتشكيك فيها.
والى أن تأتي الأجوبة على سيل من الأسئلة التي يعجز معظم المسؤولين عن توفيرها في ظل المعطيات المتوافرة الى اليوم، تبقى الإشارة الى أنّ ما حصل في عرسال وجرودها بات يُحتسَب من باب الجرح النازف في خاصرة لبنان الحدودية، والذي يحتاج الى عناية خاصة وسهر طويل لآلاف العسكريين لحماية حدود شاسعة من الصعب الإمساك بها، الى أن تأتي الأيام المقبلة بما يوضِح الصورة.
وهو ما يستدعي أيضاً الإسراع في برامج تمويل الجيش وتعزيزه بالعتاد والسلاح، وخصوصاً الفرنسي منه بموجب الهبة العسكرية السعودية، وهو ما وُضِع على نار حامية. والى ذلك التاريخ الذي لا يمكن التوقّع بموعده، ما علينا سوى الانتظار.