دولة الخلافة الناشئة في العراق وسوريا وخططها لتوسيع نفوذها من الجزائر الى باكستان بدلت حسابات طهران. وصول مقاتليها الى مشارف بغداد استنفرها. الانهيار المريب للجيش العراقي أربك مشاريعها. ليس العراق ولا جيشه غريبين عن ايران، الا أن تحمل مسؤولية الامن في بلد ذي تركيبة معقدة كبلاد الرافدين ليس نزهة. بعد ثلاث سنوات من حرب منهكة في سوريا، قد تجد الجمهورية الاسلامية الملتزمة منذ أكثر من ثلاث سنوات دعم نظام الاسد عديدا وعتاداً، نفسها مضطرة الى الاختيار.
بمعايير ايران، يشكل نظام الاسد حليفا أساسياً، وتمثل سورياه بوابة الى المتوسط و”حزب الله”. لكن دعمها له في السنوات الثلاث الاخيرة كلفها كثيرا، أموالا ومعدات وخصومات سياسية متفاقمة في المنطقة اضافة الى اتهامات داخلية متفاوتة باستخدام الاموال العامة لدعم النظام السوري. اما العراق الشيعي فهو الامتداد المذهبي الطبيعي للجمهورية الاسلامية وفناؤها الخلفي الطبيعي وشريكها التجاري الكبير، لكن أزمته خطيرة واذا تفاقمت فقد تتطلب التزاماً أكبر منه في سوريا. هنا وهناك تبدو مصالح طهران كبيرة واستثماراتها السياسية للمستقبل كذلك، ولكن خلافاً لسوريا، ينذر تفكك العراق وانزلاقه الى الفوضى بانعكاسات مباشرة داخل ايران. تسلل الازمة على الحدود المشتركة الطويلة التي يبدو العراق عاجزا عن الدفاع عنها يمثل تهديدا مباشرا للنظام الاسلامي.
حتى الآن، تتمسك ايران ببشار الاسد، وتقدم له كل المقومات العسكرية للبقاء، وقت تتكفل موسكو المقومات السياسية. وفي العراق، تحاول استيعاب الازمة. تتدخل لدى الفصائل التي تمون عليها لحضها على رص صفوفها ضد “الدولة الاسلامية”، وتدعم نوري المالكي عسكريا لوقف زحف الجهاديين. رجلها القوي قاسم سليماني نزل بنفسه الى الساحة. التقارير عن مقاتلات ايرانية تقصف الاسلاميين تنتشر في كل وسائل الاعلام ، وأول قتيل ايراني من “الحرس الثوري” في العراق كان أخيراً حديث الصحف.
فجأة، وجدت طهران نفسها تحارب على جبهتين: جبهة سورية استنزفت كثيرا من رصيدها المالي والسياسي ولا شيء في الافق يوحي بنهاية قريبة لها، وجبهة عراقية قد تنزلق الى حرب طائفية تستهلك مزيداً من قدراتها. التحديات كبيرة لايران في البلدين، وليس سهلاً عليها مواجهتها معاً، كما سيكون صعباً عليها التنازل عن اي منها، بعدما استثمرت في البلدين بصبر وتأن. ولعل اللعب بنار غزة ورفع السقف في المفاوضات النووية ليسا الا رداً على محاولة تخييرها بين سوريا والعراق ومحاولة لاستعادة المبادرة ممن تتهمه ضمنا بتسهيل المد الاسلامي في اتجاه مناطق نفوذها وصولا الى مشارف حدودها.