لا يمكن الاعتقاد ان خطر هجوم بقنبلة على مفطرين في مقهى في طرابلس يقل إرهابا وترهيبا عن دس عبوات او انتحاريين بين الأبرياء والمدنيين والشوارع والأحياء السكنية. فعلا انها الصدمة الأشد وطأة من عمل انتحاري إرهابي. ذاك الإرهابي “العملاني” يمارس اجرامه بدافع من شبكة خلفيات معقدة طويلة عريضة ليس المجال هنا للتبحر فيها ولكنه في النهاية عميل موصوف في صفوف عملاء الفتنة المذهبية والطائفية الذين شاؤوا ام أبوا يخدمون كمرتزقة لدى اجهزة الاستخبارات الاقليمية والدولية المتلاعبة بالمنطقة والمتحاربة فيها.
اما هذا الإرهابي الذي يدس قنبلة لاصطياد معمر لا يقوى على الصوم او متجرئ على ارتشاف القهوة (اي جرم هذا؟) فهو اشد وطأة في جاهليته لانه يثير الخشية الواسعة من ارهاب “مجتمعي” بات يأخذ الحريات العامة وفي مقدمها حرية الشعائر الدينية والانتماء الديني والتعددية الحقيقية التي هي ما تبقى من الحرز اللبناني الممزق الى متاهات القرون الوسطى.
ليس مقبولا على الإطلاق ان تصمت نخب طرابلس بكل طوائفها على هذا الرعب الحضاري الذي يتهددها كما يتهدد سواها من مدن ومناطق مرشحة لهذا النوع من الترهيب. لم تتمكن الفتن المتعاقبة على عاصمة الشمال من طمس روح المقاومة الحضارية فيها على رغم كل ما أمعن فيه المسلسل الطويل من تمزيق المدينة والتآمر عليها خصوصا من النظام الشقيق. وإذا كانت ارادة لبنانية حصلت بسحر ساحر ومكنت الدولة من إنقاذ المدينة من الدمار المنهجي الذي نصبت افخاخه لها منذ اكثر من تسعة أعوام فان خطر استباحتها بهذا النوع من الترهيب الزاحف الآن قد يكون اشد وطأة ليس على طرابلس وحدها بل على صورة حضارية اشمل وابعد من حدود المدينة.
ليس لبنان هذا الذي يراد له ان ينقلب على الحريات البديهية المعروف بانه لم يستسلم مرة بعد امام خطر زوالها على رغم كل ما تآلب عليه من محن وتجارب وحروب واحتلالات ووصايات وغزوات لأمراض تضرب الشرق الأوسط ببراكينها. انه الخطر المفزع على الحضارة والتعددية والتعايش الحقيقي او العيش المشترك الذي لا يزال أنشودة يتيمة حقيقية قد تكون الجامع الاخير المتبقي بين اللبنانيين. والترهيب الديني والمجتمعي هو اخطر الأخطار لانه يأتي من داخل معبأ الى داخل مستسلم او حاضن.
وما لم تكن هناك وقفة حاسمة أمنية ومجتمعية في وجه هذه “التقليعات” الخطرة، فان خطر زحفها وتمددها وشرعنتها سيغدو اكبر وأوسع من إمكانات احتوائها لاحقا مع كل ما يعنيه الامر من تداعيات على النسيج اللبناني. هذا الخطر لا يواجه بتقية الهروب والصمت من سائر المراجع السياسية والدينية المعنية الا اذا كان الصمت علامة القبول والاستسلام وربما التواطؤ. فحذار قبل الخراب.