وقعت في لبنان، اعتباراً من شتاء العام 2000، وحتى امس الاول، في منطقة طرابلس وجوارها، احداث عدة واعتداءات طاولت عناصر من الجيش وقوى الأمن، وقتلت منهم المئات وجرحت الالاف، بدءاً بالقتل الغادر الذي تعرّض له الجيش اللبناني في جرود الضنيّة، امتداداً الى حرب نهر البارد، التي تسبب بها ارهابيون ذبحوا عدداً من عناصر الجيش باسم الاسلام وبدم بارد، وتكررت الاعتداءات على يد الارهابيين التكفيريين السنّة اياهم، في صيدا وعبرا وطرابلس وبعض مناطق عكار، وفي العاصمة بيروت، وتحديداً في منطقة الاشرفية، التي غزاها المسلمون التكفيريون تحت الرايات السود «لا اله الاّ الله محمد رسول الله».
من جهة ثانية، كان لمسلحين شيعة حصتهم من الاعتداءات على الجيش اللبناني وعلى افراد من قوى الامن الداخلي، وقتل بعضهم، او جرحهم، او ضربهم، في الضاحية الجنوبية، ومناطق من الجنوب والبقاع وجبيل، لأنهم كانوا يقومون بواجباتهم في منع زراعة المخدرات، وخطف الناس، والاستيلاء على ارض الدولة والغير بقوة السلاح، واذا كانت الاعتداءات التي يقوم بها المجرمون الشيعة، ليست بحجم اعتداءات المجرمين السنّة، الا ان اي اعتداء، من اي طرف على قوى الامن الشرعية، هو اعتداء على الدولة وعلى الشعب اللبناني كله، وعلى الدستور والقوانين المرعية الاجراء.
لم يعد مقبولآً لأي انسان، ولا ممكناً الاستمرار بقبول صيغة العيش المشترك، ان لم تكن هذه الصيغة قائمة على الصدق المتبادل، بين الاطراف المكونة لهذه الصيغة، المحكومة ديمومتها بشجاعة التعبير عن الامراض التي تأكل من عافية الحياة الواحدة للبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ومشاربهم السياسية، والصحافة الوطنية الحرة يجب ان تكون السباقة لوضع اصبعها على جرح العلاقات غير السوية بين اللبنانيين بسبب تصرفات قلة بينهم، لا تعرف الحق ولا العدل ولا القانون ولا الدين ولا حتى الله.
******
هذه القلّة الناشزة، التي استمرأت استخدام العنف ضد الجيش اللبناني والقوى الامنية، يجب الاعتراف بانها مستوطنة في البيئتين السنيّة والشيعية، والا لماذا لا نرى هذه الظاهرة لدى الموحّدين الدروز ولدى المسيحيين على اختلاف مذاهبهم، ولا يعني هذا القول ان لا مجرمين عند الدروز او المسيحيين، بل للقول ان هؤلاء لم يتقصدوا يوماً الاعتداء على قوى الامن اذا حاولوا قمع مخالفة في مناطقهم، او انهم شكلوا خلايا لمهاجمة الجيش وزرع المتفجرات، ونصب كمائن للجنود وقتلهم، وهؤلاء لا يفلتون اولادهم ونساءهم ليرجموا العناصر الامنية بالحجارة والعصيّ وكل ما وصلت اليه ايديهم، ولا يحتلّون أرضاً ويبنون عليها، واذا فعلوا فهناك من هو قادر على ردعهم، بدلاً من احتضانهم وحمايتهم والدفاع عنهم، كما يحدث اليوم عند الآخرين القادرين على المنع والردع.
ابناء الطائفة السنيّة الكريمة، باكثريهم الساحقة، ضد الاعمال الاجرامية التي تمارس ضد قوى الامن والمواطنين، وموقف رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري بالامس، كان واضحاً وصريحاً وشجاعاً في رفض الارهاب والتكفير، ويبقى لبعض رجال الدين في الشمال والبقاع ان يقفوا معه وينزعوا عن طائفتهم كلمة الارهاب والقتل، وعن دينهم ما يحاول البعض التكفيري ان يلصق به من عيوب.
اما بالنسبة الى ابناء الطائفة الشيعية الاعزاء، فانهم كانوا دائماً عوناً وساعداً للجيش ولقوى الامن، وتعاليم الامام المغيب السيد موسى الصدر، حبيب اللبنانيين جميعاً، في هذا الاتجاه معروفة وواضحة، كما هي معروفة مواقفه حيال باقي الطوائف والمذاهب، وبالتالي فان القوة التي يتمتعون بها اليوم، يجب الا تحرفهم عن تاريخهم وتعاليم الصدر، وحزب الله، بما يملك من نفوذ وتأثيروقوة وسلاح تقع عليه مسؤولية كبيرة في اعادة الخارجين على القانون الى كنف الدولة بوقف تعدياتهم وتصحيحها بالقانون، اذا كان يريد حقاً قيام دولة قوية عادلة.