تمضي معركتنا مع المحكمة الدولية، ومع من هم خلفها خطوات الى الامام. ردود الفعل القائمة من اساتذة وزملاء كبار ورفاق درب، تشجع على التمسك بحقنا في المعرفة الكاملة. وحقنا في البحث عن كل ما يقودنا الى تبيان الامور على حقيقتها الفعلية، لا على ما يريدون لنا ان تكون. وحالة التعاطف، السائدة في اوساط الناس، والناشطين، في لبنان وخارجه، وحتى تطوع مكاتب قانونية عالمية للوقوف الى جانبنا، كل ذلك، يؤكد أهمية مواصلة هذه المعركة، باتجاه انتزاع المزيد من الحصانة للاعلام.
منذ اليوم الاول، ونحن ندرك طبيعة الانقسام السياسي حول الامر. ونعرف ان لدينا خصوماً اكثر توترا وتعسفا وغلوا من رجال المحكمة انفسهم. ونعرف أن قوى سياسية، واجهزة امنية، وسفارات، وحكومات غير لبنانية، تنخرط في المعركة ضدنا، وترى انه وجب علينا الصمت، الى درجة ان سفير دولة اوروبية كبرى، وصلت به الوقاحة حد القول: أصلا، لماذا تستمر هذه الجريدة في الصدور؟
اليوم، نقترب من القرار بشأن كيفية التعامل مع المحكمة، وقرار الاتهام الصادر عنها بحقنا. كان علينا انتظار تصرف السلطات في لبنان، وخصوصا أن الانقسام السياسي ينعكس اساسا في موقف الحكومة من القضية، حيث لا يزال هناك فريق يرى ان المحكمة لا تمثل سلطة وصاية على قوانينا ودستورنا وسلطاتنا. وهم يدعمون ما تقوم به، ظنا منهم، انها تحقق لهم مطالبهم بالعدالة. وهم في هذا السياق، سذج او متواطئون.
واذا كان الاساس القانوني ضرورياً ـــ في رأي كثيرين ـــ لمواجهة تطاول المحكمة على الحريات العامة، فأصحاب هذا الرأي يعتقدون بضرورة مواجهة محاولة المحكمة الهروب من واجبها، في حماية وثائقها، وتحقيق نتائج في مهمتها الاساسية، ومحاسبة المسؤولين عندها، الذين فشلوا في أداء واجباتهم، ومع ذلك لا يزال بعضهم في موقعه، بل رفع الى رتبة اعلى.
لكن المعركة تبقى حقوقية وإعلامية وسياسية. ومثلما علينا اللجوء الى كل منبر، وصوت، وآلية، تتيح إبطال الملاحقات التعسفية القائمة، فإن علينا التأكيد على حقنا، في اللجوء الى كل الوسائل المشروعة ـــ بحسب قوانيننا ـــ لحماية حقنا في المعرفة والقول. وهي وسائل يحاول بعضهم، في لبنان، كما في المحكمة ومن هم خلفها، حرماننا إياها بذريعة تناقضها مع قانون المحكمة. وهذا ما يجعلنا نرفع الصوت مسبقا. نقول صراحة، ومن دون اية مواربة او محاباة: نرفض، بصورة مطلقة، غير قابلة للنقاش، اي نوع من المساومات، واي محاولة لدفعنا الى تقديم اي تنازل، امام هذه المحكمة او امام اي جهة في لبنان او خارجه، مقابل الحصول على دعم او تضامن او حماية.
وجب قول هذا الكلام، لأن في بلادنا من ولد قبل ابليس بسنوات. وهو يحاول ملاعبتنا بأشكال وأشكال، تارة باسم الحصول على اجماع، او باسم تخفيف الضغط، وطوراً من باب المناورات لأجل حصد المزيد من الاصوات الداعمة والمؤيدة. وهو امر لا نريده، ببساطة لأننا نعتقد أن ما نتعرض له ليس مسألة شخصية، ولا حتى مهنية بالمعنى الذي يميز بين مقاربة واخرى. بل إن ما نتعرض له، هو سابقة ستتيح ليس فقط لأي محكمة دولية الاستفادة منه لقهر آخرين في غير بلاد، بل سوف تستغله أيضاً سلطات قضائية محلية، لاعتباره سابقة محمية من اعلى سلطات العالم، وسوف يجري العمل بموجبه لمصادرة الحريات والحق في المعرفة والقول.
وبقدر ما يشعر المرء بالراحة، لوجود هذا الكم الهائل من الحب والصداقة والوفاء، بقدر ما يشعر بأنه، كما في غالب الاحيان، يقف في الموقع الصحيح. وبانه، كما في كل مرة، لا يقف وحده في مواجهة القاتل للحياة فينا.
لكن، كما هو مقدر، برزت الى السطح، اصوات سياسية، او متخفية بزي اعلامي، لترى أن معاقبتنا، امر مستحب، بل واجب، ولتمارس اغبى وسائل الشماتة والحقد. إنه جنون صبية فتوة الحي. زعران يصرخون، يرمون الحجارة، يشتمون ويلعنون. وهم يعتقدون، انها فرصتهم الذهبية لتحقيق مراد فشلوا بعجزهم المحلي والاقليمي عن تحقيقه. لقد مني هؤلاء بهزائم برغم كل ما أنفقوه من مال للقهر والتزوير، وها هم يلجأون الى ذرائع ليسوا بحاجة إليها، حتى يقولوا ما نعرفه أصلاً. وبما أننا نعرف أنّهم سوف يستمرون، فليفعلوا ذلك مباشرة، من دون التذرع بهذه الخرافة او تلك.
لذلك، وجبت مخاطبة هؤلاء، لمرة واحدة، ومباشرة، دون مداورة او ملاطفة او محاباة كاذبة، والقول لهم صراحة:
يا هؤلاء، من قال لكم، إننا نطلب دعمكم، او وقوفكم الى جانبنا؟ فقضيتنا تتصل بشيء لا تعرفون له معنى.
هل جاءكم رسول يبلغكم، ان مساً أصابنا، حتى ننتظر تضامنا منكم؟
هل تعتقدون اننا كنّا نمزح معكم، عندما قلنا، ونعيد التأكيد، انكم تقفون في جانب اعداء بلادنا، واعداء قضيتنا الوطنية والانسانية والاخلاقية، وانكم فوق ذلك، منتحلو صفة في المهنة، ومرتزقة عند سلطان تافه؟