Site icon IMLebanon

إنتقال السلطة في العراق وسوريا

“النظامان العراقي والسوري الحليفان الرئيسيان لإيران يواجهان معاً أحداثاً بالغة الخطورة ذات طابع مصيري ليس لأنهما في حال حرب مع تنظيم “داعش” والجهاديين والإرهابيين بل لأنهما في مأزق حقيقي كبير وقد فشلا في إدارة شؤون بلديهما وارتكبا أخطاء جسيمة في تعاملهما مع المطالب المشروعة والحاجات الحيوية والضرورية لشعبيهما”. هذا ما قاله لنا مسؤول أوروبي بارزمعني بشؤون الشرق الأوسط في جلسة خاصة في باريس. وأوضح إن الاجتماعات والمشاورات الدولية – الإقليمية المرتبطة بأحداث العراق والتي شارك فيها أظهرت توافقاً أميركياً – فرنسياً – بريطانياً – خليجياً على الأمور الأساسية الآتية:

أولاً – ان تنظيم “داعش” يشكل خطراً حقيقياً على العراق وسوريا والمنطقة والمعركة معه ومع الجهاديين والإرهابيين ضرورية، لكن هذه المعركة ليست هي الأساس بل انها جزء من المشكلة الجوهرية العميقة التي فجرت الأوضاع في البلدين. فسوريا انفجرت من الداخل ليس بسبب هجوم الجهاديين والإرهابيين عليها بل لأن الرئيس بشار الأسد خاض ويخوض صراعاً دامياً بالغ الشراسة مع شعبه المحتج ورفض منذ اليوم الأول المطالب المشروعة لهذا الشعب وواجه بالقوة المسلحة ووسائل العنف المختلفة مواطنيه المتمردين على حكمه المتسلط وأعطى الأولوية للتمسك بالسلطة وليس لإنقاذ بلده. والعراق انفجر من الداخل لأن رئيس الوزراء نوري المالكي رفض تطبيق المشاركة الحقيقية في الحكم بين المكونات الأساسية للشعب وتخلى عن إتفاق إربيل الذي وقعه عام 2010 والذي حدد صيغة لتقاسم السلطة بشكل عادل ومتوازن بين الشيعة والسنة العرب والأكراد فأمسك بمقدرات البلد ومارس سياسة الإقصاء والتهميش للآخرين. ودعمت القيادة الإيرانية خيارات الأسد والمالكي وكأن بقاءهما في الحكم أكثر أهمية من إنقاذ العراق وسوريا.

ثانياً – أثبتت تطورات الأحداث فشل الخيار العسكري – الأمني – القمعي في البلدين، ذلك ان هذا الخيار حوّل حركة الاحتجاج الشعبية السلمية في سوريا ثورة مسلحة وفجر حرباً مدمرة واسعة النطاق وجذب الجهاديين الى هذا البلد، كما حول الصراع السياسي في العراق مواجهات كبيرة دامية سمحت للجهاديين بالتغلغل والانتشار في البلد. ومن أجل إنقاذ البلدين من الضروري التخلي عن وهم امتلاك أي نظام متسلط القدرة الحقيقية على فرض إرادته بالقوة على شعب محتج ومتمرد والقضاء على مطالبه المشروعة.

ثالثاً – ان مواجهة الجهاديين ليست كافية لإنقاذ البلدين بل من الضروري إنجاز حل سياسي حقيقي شامل للأزمتين. فإنقاذ سوريا يتطلب إنهاء حكم الأسد الذي ألحق الكوارث ببلده وانتقال السلطة الى نظام جديد ديموقراطي تعددي والسماح للسوريين بتقرير مصيرهم في إنتخابات حرة وشفافة وتعددية. وإنقاذ العراق يتطلب إنتقال السلطة من حكومة المالكي الى حكومة وحدة وطنية تضمن المشاركة الحقيقية المتوازنة في الحكم بين الشيعة والسنة العرب والأكراد وتعالج الأوضاع الخطيرة من طريق التفاهم والتعاون بين كل الأفرقاء العراقيين.

وقال المسؤول الأوروبي: “ان مسؤولين أميركيين وفرنسيين وبريطانيين أكدوا لمسؤولين خليجيين وعراقيين خلال لقاءات سرية في باريس ولندن وواشنطن انهم يرفضون سياسة تهميش أي من مكونات الشعب العراقي ويرفضون الدخول في مواجهة مع العشائر والقوى السنية المنتفضة على حكومة المالكي والمطالبة بحقوقها المشروعة، بل انهم يرون ضرورة تفاهم الزعماء العراقيين على تأليف حكومة جديدة تضمن المشاركة الفاعلة في السلطة للشيعة والسنة العرب والأكراد وتعمل على إنجاز مصالحة وطنية وتسوية المشاكل العالقة سلمياً وتوحيد الجهود من أجل محاربة القوى المسلحة المتشددة التي تهدد مصير البلد. فالخطر الحقيقي على العراق ليس مصدره الجهاديون والإرهابيون بل السياسات الخاطئة لحكومة المالكي وخصوصاً منذ إسقاط إتفاق إربيل. والدول الخليجية المؤثرة مستعدة للمساهمة في إنجاز هذه المصالحة الوطنية”.

واضاف: “ان المسؤولين الأميركيين شددوا في مناقشاتهم مع الإيرانيين على ضرورة تخلي القيادة الإيرانية عن دعم سياسة إقصاء وتهميش أي طائفة في العراق واعلنوا انهم يرفضون التنسيق مع طهران من أجل ضمان بقاء المالكي في الحكم والاكتفاء بمواجهة الجهاديين بل انهم مستعدون للتعاون مع القيادة الإيرانية وجهات خليجية مؤثرة لتسهيل تأليف حكومة وحدة وطنية حقيقية على أساس ان المصالحة الوطنية وحدها تنقذ العراق من محنته الخطيرة وتمنع الفتنة الشيعية – السنية وتضعف الجهاديين”.