«إنتهازيّة» «وازدواجيّة» السنيورة تخرج رعد عن صمته
فما هي نقاط الخلاف المستجدّة ؟ تيار المستقبل يرفض عروض التسويات يُفاوض «بالقطعة» ويتمسّك بـ «مذهبة» الخلاف
دور الجيش «نقطة تباين» جوهريّة : المقاومة تعتبره «خطاً أحمر» «والأزرق» يُحاول «تكبيله»
عندما يعبر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد عن «سخطه» من «ازدواجية» تيار المستقبل ازاء التعامل مع القضايا الاستراتيجية في لبنان والمنطقة، وعندما يقول ان الحوار مع «التيار الازرق» شبه مقطوع، فهو ينطلق من خلفية استسهال قيادة المستقبل في تبني استراتيجيات على عواهنها دون الاكتراث بمردودها على الصعيد الوطني، وهو في هذا السياق اراد ان يقول للرئيس فؤاد السنيورة بشكل خاص، ان احدا لن يصدق موقفه الداعم للمقاومة في غزة، طالما انه يصر مع تياره السياسي على التمسك بسياسة العداء للمقاومة ومن يدعمها في لبنان ، حتى لو كان مؤسسة الجيش. فما هي الاسباب الموضوعية التي «تزعج» حزب الله ودفعته الى التصريح وعدم الاكتفاء بالتلميح؟
اوساط سياسية مطلعة على هذا الملف، تشير الى ان السبب الرئيسي يعود الى مستوى «الانتهازية» غير المحدود لدى تيار المستقبل الذي يعيش حالة من الانكار غير المسبوقة، فهو لا يريد خسارة المتطرفين في شارعه وفي نفس الوقت يعمل على ابقاء التحريض في ذروته ضد حزب الله آملا في ان يؤدي اصطدام الطرفين الى نتائج جيدة في صالحه، وفي المقابل يتعاون امنيا من «تحت الطاولة» عندما تكون الامور في صالحه، فيستغل القوى الامنية وفي طليعتها الجيش للتخلص من «خصومه» في الشارع السني، لكنه يبقي «السيف» المذهبي مسلطا فوق «رقبة» المؤسسة العسكرية كي يحد من اندفاعتها لمنعها من اتمام بعض المهام التي يرى فيها «مصلحة» ذاتية يمكن استغلالها في وجه حزب الله.
وفي هذا السياق، تشير تلك الاوساط الى ان المشكلة الرئيسية بين «المستقبل» وحزب الله، ان الاول رفض البدء بحوار جاد يحصن البلاد من «العاصفة» التي تضرب المنطقة ويصر على ابقاء التفاهمات في حدها الادنى وفق معادلة «ربط النزاع» التي برر فيها الرئيس سعد الحريري قبوله بالمشاركة في حكومة «المصلحة الوطنية»، ماذا يعني هذا؟ يعني ان «التيار الازرق» عندما خسر «اوراق» قوته السورية واختل ميزان القوى الداخلي، اراد هدنة فقط، وليس تسويات، وهو يراهن على متغيرات لا يعرف احد ان كانت ستأتي يوما، لكنه يفضل الانتظار غير عابئ بما تترتب عليه هذه السياسية من تداعيات داخلية خطيرة خصوصا انه لا يزال متمسكا بخطة التحريض المذهبي على حزب الله من «بوابة» الازمة السورية.
ووفقا لتلك الاوساط، وحده تيار المستقبل، وبتوجيه سعودي، ما يزال يروج لمقولة «الثورة» في سوريا، ويوظف قواه السياسية والاعلامية لتظهير مشاركة حزب الله في القتال هناك بانها جزء من حرب شيعية تقودها ايران ضد أهل السنة، وحتى في توصيفه لـ«غزوة» داعش للموصل، لم يتوان عن الحديث عن «ثورة» سنية في الانبار، والمفارقة في هذا السياق ان صحيفة المستقبل دون غيرها من وسائل الاعلام في العالم حاولت تخفيف وطأة طرد المسيحيين من هناك ومن تابع تقاريرها الخاصة من هناك كاد يصدق ان كل ما يقال مجرد شائعات!
هذه السياسة الملتوية تتناقض مع الوقائع على الارض تقول الاوساط خصوصا على الحدود اللبنانية السورية، فتيار المستقبل يدرك جيدا ان القواعد الشعبية المسيحية المحسوبة على قوى 14 آذار في البقاع، قد انقلب مزاجها العام وباتت مقتنعة بان ما فعله حزب الله في سوريا كان «عين الصواب» امام هول ما تفعله «الدولة الاسلامية» في العراق وسوريا، ويخشى «المستقبل» ان تتسع موجة «الاحتضان» هذه الى الشارع السني «المعتدل» الذي بدأ يشعر بان الحزب يشكل خط الدفاع الاول عن المنطقة في مواجهة مجموعات مسلحة لم تتوان عن «ذبح» السنة المعارضين لها، ولذلك لم تستجب «القيادة الزرقاء» مع كل المحاولات الحثيثة التي بذلت منذ اشهر لتطوير خطابها السياسي وعقلنته بما يخفف غلواء المتشددين، فهي لا تريد فتح قنوات حوار جدية، تكتفي بتسويات «بالقطعة»، ترفع «الفيتوات» بانتقائية للتخلص من منافسيها على الساحة السنية لكن يبقى همها الاول ازعاج حزب الله من «خاصرته الرخوة» المتمثلة بالتحريض المذهبي.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان خطورة هذه السياسة «المتهورة» لا تقف عن حدود الحاق الضرر بحزب الله، وهو ما قد يراه البعض مشروعا، لكن الاكثر خطورة هو استخدام هذا التحريض الممنهج ضد الجيش اللبناني، واذا كان فرار أحد عناصر الجيش والتحاقه بـ«جبهة النصرة» في سوريا لا يمكن ان يشكل «حتى الآن» أكثر من حادثة «فردية» لن تؤثر من قريب او بعيد على تماسك المؤسسة العسكرية، لكن محدودية تاثير هذه الحادثة لا يعني انها معزولة عن واقع تصاعد «التحريض» المذهبي الذي يتولى جزءا منها تيار المستقبل ليس عبر نوابه «المتشددين»فقط وانما عبر كتلته التي لم تتوان عن تبني شعار«مظلومية» اهل السنة لارضاء الشارع «المنفلت».
وهنا لا نتحدث عن خطاب الشيخ سالم الرافعي قبل ساعات تعليقا على احداث طرابلس، او عن خطاب مؤسس الحركة السلفية في لبنان الداعي الاسلام الشهال بعد حادثتي مجدل عنجر وعكار، ولسنا بصدد التوقف عن تهديدات النائب خالد الضاهر ومعين المرعبي «بالاستنجاد» بأبنائنا في الجيش وقوى الأمن للقتال الى جانبنا ضد حزب الله، فقبل ايام خرجت كتلة المستقبل لتشكك بمناقبية المؤسسة العسكرية في تعاملها مع الخطة الامنية في طرابلس، ولن ينسى اي من اللبنانيين موقفي الرئيس فؤاد السنيورة والنائب بهية الحريري من الجيش على خلفية احداث عبرا، كما ان كتلة المستقبل كانت السباقة في شباط 2012بانتقاد وحدات الجيش التي انتشرت في عكار واعتبرتها استهدافا لهذه القرى بدلا من توفير الطمأنينة لهم ؟! كل هذا غيض من فيض المواقف التي «كرست» العداء للجيش في البيئة «السنية» الحاضنة للتيار الازرق وهي تنذر بعواقب وخيمة لم تلتفت اليها قيادة المستقبل رغم النصائح والتحذيرات من اعلى سلم الهرم السياسي والعسكري في البلاد.
وفي هذا الاطار تلفت تلك الاوساط، الى ان انشقاق العريف عاطف سعد الدين من اللواء الثامن ليست «حالة شاذة»، فسابقا اكتشف الجيش تلميذ ضابط ينتمي لجماعات متشددة فجرى تسريحه، وهناك حالات مماثلة جرى اكتشافها وتم تسريحها، لكن استمرار التحريض المذهبي وتمسك تيار المستقبل بمعادلاته «الانتهازية» سيؤدي الى نتائج سيئة للغاية ليس اقلها التاثير النفسي الخطير على جنود وضباط المؤسسة العسكرية من خلال «التعامل الحذر» مع العناصر السنّية داخل الجيش من قبل زملائهم، وهذا اذا ما حصل سيؤدي الى حالة من انعدام «الامان» المدمرة على الطريقة السورية والعراقية، ولذلك لا تتعامل القيادة العسكرية باستخفاف مع هذه الظاهرة، دون ان تكبر من حجمها، لكن هذا الملف لا يتعلق بمسألة مسلكية وانما بمناخ عام يتحمل مسؤوليته من قرر استنزاف الجيش اللبناني ووضعه على منصة الاغتيال الممنهج إن بمحاولة نزع الصفة الوطنية الجامعة عنه وتصويره وكأنه ملحق بـحزب الله وايران.
وهذه النقطة تقول الاوساط تمثل الخلاف الجوهرية بين الحزب وتيار المستقبل الذي لم يلتزم «بقواعد» اخلاقية في ادارة الصراع السياسي في البلاد، ولم يتوان عن استهداف المؤسسة العسكرية خدمة لمصالحه، الجيش بالنسبة لحزب الله «خط احمر» لا يمكن لاحد ان يتجاوزه، «التيار الازرق» يعمل ليل نهار لاستمالة قيادة الجيش وتطويعها، يضغط عليها علنا بخطاب مذهبي «لتكبيلها»، ومن جهة اخرى يدعي الحرص عليها وعلى دورها، والجميع يتذكر حفلة «التطبيل والتزمير» للمكرمة السعودية، لكن يبقى السؤال اي جيش يريد تيار المستقبل ووفقا لاي عقيدة؟ انها المعضلة المركزية، بعد سلاح المقاومة، التي تحول دون حوار جاد ومسؤول مع حزب الله.