إيران وسوريا في محور واحد من البطش ومحاولة التلاعب بالمكونات الأساسية وبالتوازنات القائمة منذ زمن. العراق ولبنان يعانيان أزمة تغيير الهوية وتبديل الأدوار وإضعاف مكونات أساسية في البلدين. لا مجال هنا وهناك لاستقرار دائم، ما لم تعالج الأمور العالقة في البلدين. ولعلّ ايران تواجه اليوم في العراق حال نقمة، مثل ما واجهته سوريا في لبنان عندما خرج “الجيش العربي السوري” يجر أذيال الخيبة وراءه، ولم يتمكن، بعد نحو 30 عاماً، من الوصاية من دفع اللبنانيين الى القبول به “جيشاً شقيقاً”، بل تنامى الشعور بأنه جيش احتلال ليس أقل. والحال في العراق اليوم، مع التدخل الايراني، مشابهة تماماً. فالعراقيون يرون في التدخل الايراني انتهاكاً لبلدهم، خصوصاً أن ايران، ومثلها سوريا، عملتا على تقوية المكون الشيعي الحليف على حساب الطوائف الأخرى، وابرزها الطائفة السنية الكثيرة العدد على امتداد العالم العربي، والتي صارت تأمل في فتح الحدود ما بين الدول لتشعر مجدداً بقوتها. واذا كان الحرس الثوري الايراني فعل فعله في العراق للإطاحة بالسنة في كل المواقع الحساسة، فانه عمل أيضاً على الامساك بمفاصل الدولة في لبنان، وفي إنقاذ النظام السوري.
والهلال الشيعي الذي تحدث عنه الملك الأردني عبدالله بن الحسين قبل أعوام، يقابل اليوم بمواجهة قاسية، بل دموية، من كل رافضيه الذين ازدادت نقمتهم على الشيعة، سواء في لبنان وسوريا والعراق ومصر ودول الخليج العربي مجتمعة، لتعيد تحريك أو ايقاظ فتن نائمة.
في لبنان، كانت التوازنات الهشة سبباً للحروب، وثورة المحرومين والمستضعفين الشيعة ولدت من الحرمان، لتعوض لاحقاً بأكل الأخضر واليابس. وبعد الحرب اختلت التوازنات أكثر فأكثر، لمصلحة الشيعة أولاً على حساب السنة، ولمصلحة السنة والشيعة على حساب المسيحيين، لذا لن يجد لبنان استقراره في المدى المنظور ما لم يقم اتفاق بين مكوناته يصحح الخلل.
وفي سوريا، أعطى الرئيس حافظ الأسد السنة امتيازات اقتصادية، وأخرى سياسية في الظاهر، ورفع شعار فلسطين، فحكمت الأقلية العلوية بشعار الأكثرية السنية. لكن نجله بشار ضرب تلك التوازنات التي كانت قائمة، فاختل الميزان، ليحول أهل السنة “داعش” و”نصرة” وجبهات وتيارات أخرى أصولية ارهابية.
لعبت ايران لعبتها في المنطقة وتجاوزت الخط الأحمر المرسوم، فخربطت كل التركيبات القائمة على توازنات، ولا يمكن بالتالي اعادة صوغ خريطة المنطقة الا باعادة التوازنات ما بين السنة والشيعة، مع حفظ دور الأقليات المسيحية، والكردية، والدرزية، والعلوية، أو الذهاب الى خريطة جديدة للمنطقة، قد تغرق في بحر واسع من الدماء، قبل أن ترتسم معالمها القائمة على المذهبية والاتنية والقبلية، والتي تؤسس بدورها لحروب مقبلة.A