الذين ينسبون الى “داعش” سابقة “الغاء” الحدود بين العراق وسورية، يتقصدون التعمية على حقيقة ان هذه الحدود مفتوحة على مصراعيها منذ قررت طهران ارسال ميليشيات عراقية لمساندة جيش بشار الاسد في قتاله ضد المعارضة، بتواطؤ علني من حكومة نوري المالكي التي سهلت ايضاً نقل الاسلحة الايرانية الى دمشق عبر اجوائها.
ومع ان التورط الميليشياوي العراقي في سورية يأخذ مساراً معاكساً الآن بعد النداء الذي وجهه المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني الى اتباعه بحمل السلاح لحماية بغداد ومناطقهم الاخرى من “داعش”، ما اضطر “لواء ابو الفضل العباس” الذي يسلحه ويدربه “الحرس الثوري الايراني” الى بدء اعادة مقاتليه الذين اكتسبوا خبرة قتالية هناك الى العراق، الا ان قنوات التعاون المتعددة تبقى قائمة ومفتوحة بين نظامي المالكي والاسد برعاية ايران التي تسعى الى تعويض العائدين العراقيين بدفع المزيد من مقاتلي “حزب الله” اللبناني الى سورية، ما يفسر الزيادة الاخيرة في خسائر الحزب اثناء عمليات التبديل.
ومع ان ايران طلبت عبر حكومة المالكي مساندة عسكرية اميركية لوقف تقدم قوات التحالف السني العراقي الواسع الذي يقاتل تحت راية “داعش”، الا إنها ربطت اي تعاون مع الاميركيين في العراق بحصول تقدم في الملف النووي الضاغط، مستعجلة تخفيف العقوبات والافراج عن مبالغ تحتاجها لسد النقص في تمويل عمليات المقاتلين الشيعة في العراق وسورية، وذلك ردا على طلب الاميركيين المتأخر منها التخلي عن المالكي وايجاد بديل منه يستطيع تشكيل حكومة “وحدة وطنية”.
لكن طهران تهدف ايضا من ربط التعاون في العراق بالملف النووي وحده الى تفادي انسحاب اي اتفاق محتمل على الوضع في سورية. فإذا كانت مستعدة للتخلي عن المالكي، وهو أمر لم يتأكد حتى الآن، فستستبدله حتماً بحليف آخر لها يمكنه قيادة تعديل موقت في نظام حكم بغداد، الى حين كف خطر “داعش” ووقف الانتفاضة السنية، ثم تعود مرة اخرى الى لعبة “النظام الاكثري” الذي يعني غلبة شيعية مطلقة. لكنها ترفض في كل الاحوال مجرد فكرة التفاوض على بديل من الاسد يكون مقدمة لتعاون مماثل من اجل حل سياسي للازمة السورية، لان ذلك سيعني تراجعا لنفوذها في لبنان ايضا، ويسقط الشعار الذي رفعته عن “حدودها” على المتوسط.
وهي سبق ان خدعت الاميركيين في العراق عندما تعهدت بتأمين انسحاب آمن لهم من هذا البلد في مقابل دعم اميركي للمالكي، لكنها اخلت بالشق الثاني من الاتفاق عندما منعت الاخير من ابرام معاهدة امنية تبقي وجودا عسكريا اميركيا في بلاده.
وتعتقد طهران اليوم ان الاميركيين “مضطرون” الى التدخل في العراق بسبب الضغوط الداخلية والاوروبية لمنع تمدد المتطرفين الاسلاميين واستقطابهم المزيد من الارهابيين العابرين للحدود الذين قد يتحولون قنابل موقوتة يهددون الامن في دولهم، ولأن ما يحصل في العراق قد يتحول سريعا الى حرب اقليمية شاملة تهدد المصالح الاميركية في المنطقة اذا ما تدخلت قوات ايرانية بشكل كبير وعلني في النزاع. اما واشنطن فتعتقد ان الايرانيين “مضطرون” الى قبول شرطها بتعديل اولوياتهم في العراق، وربما في سورية، لأنهم بحاجة الى دعمها كي لا ينهار تماماً كل هذا الجهد الذي يبذلونه منذ عقود لربط المناطق الشيعية في المنطقة ببعضها البعض، ولإن الحرب الاقليمية ان وقعت لن تكون في مصلحة ايران المنهكة لكثرة جبهاتها المفتوحة واقتصادها المكبل. وبانتظار من “يصرخ” اولا، يظل الوضع على الارض في انتظار التفاهمات او المفاجآت.