بدا دخول طيران النظام السوري عبر غارات شنها على جرود عرسال تزامنا مع دخول البلدة ومحيطها في مشروع هدنة تمهد لانهاء التطورات الامنية فيها بمثابة عرقلة لاتفاق الهدنة وتسعير للمعركة في ما يعكس مصلحة للنظام في استكمال الجيش اللبناني مواجهته مع المسلحين. كان احتمال وجود قرار للنظام السوري بالدخول على خط الازمة الناشئة في عرسال عنصرا من عناصر القلق التي انتابت مسؤولين كبارا ذعروا من تطور الاحداث في المنطقة . اذ انه في حال فتحت المعركة في عرسال يصعب الاعتقاد انها قد تقتصر على البلدة ولا تتمدد الى مناطق اخرى في البقاع او سواها. كان هذا العنصر احد ابرز المحاذير لما حصل بالاضافة الى محاذير اخرى من بينها ان اي معركة طويلة قد تستنزف الجيش في حال تم التسليم جدلا بان الوضع قد يشابه ما حصل في مواجهة نهر البارد علما ان هذه الاخيرة كانت محصورة بمخيم محدد وكان ثمة اجماع وطني وتغطية سنية عارمة لها فيما المواجهة في عرسال حصلت على تغطية سنية كبيرة ايضا من كل من الرئيس سعد الحريري وكتلته ورئيس الحكومة تمام سلام. لكن المواجهة في عرسال مفتوحة على تطورات قائمة ومستمرة في سوريا وتستدرج المزيد من النازحين الى لبنان في موازاة اشتعال المنطقة على وقع صراع سني شيعي خطير.
لم تخف مصادر معنية توافر تقارير ترد فيها تساؤلات ازاء احتمالات عن تقديم “حزب الله” المساعدة للجيش اللبناني في فك الحصار عن بعض حواجزه بداية وما اذا كان سيساعده في مواجهة المسلحين على قاعدة انه اذا كان الحزب ذهب الى سوريا بذريعة مواجهة من سماهم التكفيريين فقد يرد انه من الاولى ان يساعد في مواجهة هؤلاء في لبنان. كما ترد فيها تساؤلات اذا كان هناك قرار من جانب النظام السوري بمحاولة مواكبة المواجهة التي يقوم بها الجيش اللبناني عبر غارات وعمليات قصف توحي بمساعدة الجيش كأنهما شركاء في مواجهة واحدة وذلك كرد فعل على غارات قام بها طيران النظام في جرود عرسال. واستتباعا وردت تساؤلات اذا كان ثمة توجه لدى “حزب الله” لفتح معركة داخل عرسال في حال تطورت المواجهات وازدادت خطورة.
وليس خافيا ان المؤشرات كانت كلها مقلقة بدرجة كبيرة بالنسبة الى مسؤولين كثر على اختلاف مواقعهم ومسؤولياتهم، ولا تزال نظرا الى انه قد ينجح ارساء هدنة تخرج المسلحين من عرسال راهنا. لكن الوضع في البلدة صعب في ظل استمرار الحرب السورية وتداعياتها على لبنان اولا مما يرجح بقاء النزف مستمرا في اتجاه عرسال وسواها ولان هذا الوضع متروك من الدولة اللبنانية وهو لم يلق المعالجة المطلوبة ثانيا. ومن ثم لان الدولة فشلت فشلا ذريعا في اقامة مخيمات للاجئين السوريين بحيث يسهل على الجيش والقوى الامنية مراقبة حركة الكثيرين منهم. ولعل لبنان يدفع ثمن التقصير في ضبط النزوح وتركه على الغارب نتيجة رفض افرقاء سياسيين عديدين اقامة مخيمات كما في تركيا او الاردن حيث تبقى حركة اللاجئين مضبوطة ولا تتسبب لاي من البلدين المذكورين باضطرابات خطيرة كما حصل في عرسال. ووعي هذه الاسباب لا يعني امكان معالجتها لصعوبة ذلك او استحالته في هذه المرحلة.
تراجع نسبة القلق بعض الشيء استند الى مجموعة عوامل كان ابرزها ما تم ترجمته في اطلالة حكومية اريد لها ان تكون موحدة شكلا ومضمونا معبرة عن الآتي:
وحدة الموقف مما يجري في عرسال ووضع الخلافات الجانبية خارج موضوع الوضع الامني هناك والتعبير عن الالتقاء في صف واحد في مواجهة الارهابيين على نحو يضع حدا لاي محاولة للعب على التناقضات السياسية او الطائفية في هذا الاطار. الامر الذي يجب ان يساهم في تخفيف نسبة التشنج التي كانت بدأت تعلو على وقع المواقف المعلنة على ما يجري في عرسال وتطويق ردود فعل الشارع الذي يمكن ان يؤدي الى تأزم خطير.
وحدة الموقف السياسي من دعم الجيش اللبناني ايا كانت الظروف التي احاطت بتفجر الاحداث في عرسال والتي عبر عنها تأمين غطاء سني كامل له عبر عنه كل من رئيس الحكومة والرئيس الحريري والرئيس فؤاد السنيورة على قاعدة ان لا تغطية سنية للارهاب لا محليا ولا تغطية اقليمية له ايضا وفق ما عبر عن ذلك الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز قبل ايام قليلة. في المقابل يخشى البعض ان يكتسب دعم اي فريق داخلي لاي فريق غريب ايا تكن الاسباب سياسية او انسانية او دينية طابعا يكرر ما حصل في بداية الحرب الاهلية في لبنان ولو ان الظروف مختلفة مع مناصرة افرقاء داخليين الفلسطينيين وتوسع نفوذهم. لكن المبدأ يبقى هو نفسه علما ان المخاطر اكبر في ظل الصراع السني الشيعي المحتدم في المنطقة راهنا.
وثمة من يوضح استكمالا لهذه العناصر المتصلة بوحدة الافرقاء السياسيين داخل الحكومة ان مرابض مدفعية الجيش اللبناني هي التي قصفت المسلحين وليست مرابض مدفعية “حزب الله” نظرا الى وعي الحزب خطورة القيام بمثل هذه الخطوة والتداعيات السنية الداخلية التي قد تؤدي اليها وان الحزب اكثر من اي وقت مضى مدرك لخطورة اي خطوة خصوصا بعد التطورات الدرامية في العراق التي لا تسمح بترف المخاطرة باداء قد يؤدي الى تطورات كارثية.