هكذا يكون تقسيم البلد او لا (…) وهكذا يكون زرع الفتنة المذهبية من خلال اقتراح العماد المتقاعد ميشال عون: «انتخاب الرئيس بواسطة الشعب»، ليس لان الجنرال مقتنع بما طلعت به بنات افكاره، بل لانه لم يعمل حسابا لانتخاب حزبي متطرف من النوع الذي يجاهر بتذويب لبنان في محيطه، خصوصا اننا في زمن الداعشية التي تعمل حسابا للاقلية الصليبية، وهذا من ضمن ما هو محسوب بدقة متناهية من حزب الله الذي له حسابات مغايرة لتلك المكتوبة في تحالفه مع التيار الوطني الذي يتطلع الى وصول عون الى الرئاسة على جثث اللبنانيين!
السؤال المطروح: من اين طلع عون باقتراح انتخاب الرئيس بواسطة الشعب، مع علمه وغيره ان الدستور اللبناني ينص صراحة على غير ما اورده، ربما لانه يتكل على اصوات «الانتاجية الشيعية المميزة»، وهذا بدوره من ضمن ما يتطلع اليه حزب الله عندما يقارن بين اصوات المسيحيين والمسلمين، من غير حاجة الى المقاربة العددية التي تحتم معرفة الى اين يمكن لاقتراح عون الوصول، بدليل ما هو مفروض عدديا بمعزل عن المناصفة الواردة في الميثاق؟!
ان لعون دلالات سياسية غير وطنية، والا فان عليه مراجعة حساباته من غير حاجة الى ما اذا كان قصده الوصول الى بعبدا او ايصال غيره لا فرق، باستثناء ذهاب المسيحيين فرق عملة عندما يحين اوان «تدمير الجمهورية بيد النصارى» وعندها لن يكون مسيحي واحد في هذا الشرق المنكوب بمن هو مثل ميشال عون الذي يراهن بينه وبين نفسه على انه مستعد لجعل المسيحيين يدفعون ثمن الرئاسة من «المالية الغبية» التي اقترحها عون لاجراء الانتخابات الرئاسية من غير حاجة الى مناصفة؟!
سؤال اخر: هل طرح عون فكرته على جماعة التيار الوطني (…) وهل نال موافقتهم؟ ام ان هؤلاء محظور عليهم «البحث في الامور الكبيرة» كي لا يهز الجنرال عصاه في وجوههم، مثلما حصل مع احد نوابه في المتن الشمالي، بعدما استغرب الاخير عدم معرفة رأي «القاعدة العونية» في ما جاء على لسان عون، قبل ان يطلع عليه ابعد من صهره الوزير جبران باسيل؟!
اشارة في هذا الصدد الى ان نواب حزب الله قد فاجأهم اقتراح عون الى درجة حالت دون تعليقهم عليه، ربما لانهم وجدوا فيه ضربة موجعة الى التيار، او انهم لا يريدون التعليق عليه خشية القول انه يناسب غير المسيحيين ويفتح طريق الرئاسة امام اي لبنان يرغب في تجربة حظه، خصوصا في حال كان غير مسيحي، بحسب اجماع من يجد في الجنرال حالة وطنية اكثر من ان تكون حالة سياسية من المستحيل الخوض فيها بمعزل عن «العصبة العونية»!
الخلاصة ان عون طرح ما وجد فيه مصلحته، من غير حاجة الى سؤال سواه عن مصلحة المسيحيين عموما والموارنة خصوصا، لاسيما ان الميثاقية قد اهتزت في قبرها مثل اية جماعة لم تجد الى الان من يرعاها بحسب منطوق الدستور الذي يرى بعضهم ان عون قد رماه في سلة المهملات لمجرد تطلعه الى الرئاسة الاولى بأية طريقة ممكنة، لاسيما ان القصد العوني غير واضح الى الان طالما بقيت الرئاسة الاولى عالقة بين من يريد رئيسا ميثاقيا وبين من لا يريد تفتيت البلد كي يؤمن وصوله الى بعبدا او اي موقع رئاسي كان؟!
ثمة سؤال ثالث من الضروري توجيهه الى الجنرال المتقاعد، مفاده: في حال كان طرح آخر من نوع وصول رئيس غير مسيحي ماذا سيكون بوسع عون القول، لمجرد انه يرضى لنفسه صوتا مسلما ولا يريد لغيره ما يريده لنفسه؟!
رد فعل بكركي ترددت اصداؤه بصوت منخفض ربما لان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لا يرغب في توسيع الخلاف بينه وبين الرابية، لكن هناك من يجزم بان بكركي غير قادرة على تجاهل جديد عون السياسي غير الميثاقي، ما يحتم الادلاء برأي حازم وحاسم في وقت واحد، اضافة الى ان عون لن يتردد في سب البطريرك جريا على عادته السياسية حيث دأب على اعلان ما يريد من غير ان يسمح لاي كان بأن يعترض على وجهة نظره!
واذا كان من مجال للقول الى عون ان دونك والرئاسة الاولى سيول من الدماء التي اسهم فيها اللبنانيون للمحافظة على ميثاقهم الوطني لذا، لن يعقل ان يمر اقتراحه وكأن شيئا لم يكن، خصوصا ان السجال بين ما اقترحه عون وبين رد الفعل عليه هو اقرب من الاعتراف بتدمير البلد على ايدي الذين وطدوا دعائمه من المسيحيين جراء سقطة عون في مذهبية سياسية غير ميثاقية وهذا من ضمن ما درج عون على الاخذ به لمجرد القول انه غير مذهبي ولا يأخذ الا بالامور الوطنية وهذا ما يجب محاسبته عليه مهما اختلفت الاعتبارات؟!