اذا كانت الحرب في سوريا قد تسببت بالدمار والخراب وتهجير ملايين السكان الى بعض الداخل في سوريا والى لبنان والأردن وتركيا، فإن لبنان اصابه من تلك الأزمة “زلزالاً” على المستويات الديموغرافية والاقتصادية والامنية والصحية والتربوية، وفق تعبير سفير دولة كبرى، نبّه دولته في تقرير مفصّل الى ما يمكن أن يتأثر به لبنان سلباً بفعل استضافته العدد الأكبر من اللاجئين السوريين. وتوقع أن يؤدي ترك هذا اللجوء من دون معالجة، الى المساس بالكيان اللبناني، ولا سيما أن القوى السياسية منقسمة أمام الأزمة المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وسرد أسباب تخوّفه على مصير لبنان في حال استمرار التقاعس الدولي عن توفير الدعم الفعلي والعملي، لا اللفظي، بعد العجز العربي ونقل جامعة الدول العربية الملف السوري الى مجلس الأمن الذي برهن بدوره عجزه حتى عن تأمين وقف النار بين قوات النظام ومقاتلي المعارضات، ونتيجة لهذا العجز غرق لبنان في أزمات جديدة أثقلت كاهل الدولة، وعلى الأخص انتقال الارهاب الى ارجائه، واصبح هدفاً لتنظيم “داعش” الذي ارسل ثلاثة انتحاريين الشهر الماضي لتفجير سيارات مفخخة في الضاحية الجنوبية. وقد تصدت الاجهزة الامنية لمحاولات في ضهر البيدر عند حاجز لقوى الامن الداخلي وتجمع شعبي في محلة الطيونة وفي فندق في محلة الروشة، وهو ما دفع بهذا التنظيم الى اضافة رجال تلك الاجهزة الى لائحة المواجهات معها، واعلان ذلك في بيانات معلنة وتغريدات عبر “تويتر”. وهذا الواقع الجديد دفع القيادات الأمنية الى رفع اجراءات الاحتياط من مكعبات وعوائق حديد، لحماية نقاط التفتيش والمقار، مع التشديد في الرصد والمراقبة.
وأدرج السفير في تقريره عجز القوى السياسية عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انقضاء 46 يوماً على شغور الكرسي الرئاسي في قصر بعبدا. ولم ينكر ان النزاع جوهره ماروني – ماروني بمرشحين تبنتهما القوتان الرئيسيتان 14 و8 آذار، مدعومتين من قوتين: هما السعودية وايران المختلفتان على الكثير من الملفات، مما انعكس أيضاً على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. الفريق الاول يؤيد سمير جعجع والثاني العماد ميشال عون. وعلى رغم طول فترة الفراغ، لا شيء ايجابياً يلوح في الأفق بعد تحديد ثماني جلسات لانتخاب الرئيس، بقيت سبع منها من دون نصاب، وتخللها تبادل الحملات الاعلامية بين عون وجعجع.
وحذر من تقاعس الدول المانحة في الايفاء بما تعهدت به في قمتي الكويت اللتين خصصتا لتقديم المساعدات للمفوضية العليا للاجئين التي أخذت على عاتقها العناية باللاجئين السوريين لجهة ايوائهم وتقديم المساعدات لهم وتسجيلهم واعطائهم بدلات مالية محدودة. ولم تتجاوب الدول، على رغم مناشدة الامم المتحدة في كانون الاول الماضي في توفير مبلغ 6,5 مليارات دولار لمساعدة اللاجئين، وهو مبلغ أكبر من ذلك الذي تعهد بتقديمه المشاركون في مؤتمر المانحين الذي عقد في الكويت مطلع السنة، والبالغ 2,3 ملياري دولار، غير أن اللافت كان التجاوب بنسبة 25 في المئة فقط من خطة 2014.
ورسم أكثر من مسؤول أكثر من علامة استفهام حول قضية اللاجئين السوريين، ولم يستبعدوا ان تكون دول كبرى تريد ابقاء تلك القضية من دون حل حتى اشعار آخر، وانها بذلك تمارس الضغط على لبنان لاعطاء كل لاجئ مسجل وثيقة سفر، وهذا ما ترفضه الحكومة، لان في هذا الطلب ترجيحا قويا لتوطينهم وابقاء الازمة السورية مفتوحة على مدى سنوات، الى ان يتغير النظام فيها ويتحول ربما الى دويلات طائفية. وسألوا ايضا لماذا يطلب قادة الدول من لبنان ابقاء حدوده مفتوحة امام اللاجئين السوريين الى لبنان، فيما لا يؤيدون اقتراحا رسميا بانشاء مخيمات بين المصنع وجديدة يابوس، وتتولى المفوضية العليا تدبير شؤونهم، وهل الدول الكبرى المعترضة خائفة على أمنها بسبب انقطاع الاتصال بينها وبين الرئيس بشار الاسد؟ لماذا لا يخافون على الكيان اللبناني المهدد باللاجئين السوريين الذين يتوافدون يوميا هربا من القصف وإنقاذاً لحياتهم؟