القلق الشعبي قبل الرسمي، من حصول فراغ رئاسي، مشروع. لن يتحمل لبنان فراغاً رئاسياً مماثلاً للفراغ الحكومي. بعبدا من دون رئيس للجمهورية، تنتج انزلاق لبنان نحو حقل من الألغام الضخمة. حتى الآن، نجا لبنان من ارتدادات «الربيع العربي»، خصوصاً السورية منها. القوى الدولية خصوصاً فرنسا والولايات المتحدة الاميركية والعربية تحديداً السعودية، شكلت «شبكة» أمان. لولا هذه «الشبكة»، لكان لبنان في قلب البركان السوري. التفجيرات الانتحارية وغيرها مؤلمة جداً، انسانياً وأمنياً وسياسياً، لم ينته خطرها، طالما المواجهات في سوريا مستمرة وستبقى حاضرة. النجاح في منع وقوع تفجيرات انتحارية نقطة تسجل لمصلحة المؤسسات الامنية، لكن بطبيعة الحال ليس هذا السكون نتاج هذا النشاط وحده. لا شك ان قوى خارجية عدة لعبت دوراً غير منظور وهي ما زالت تعمل.
لا شيء حتى الآن يضمن حصول الانتخابات الرئاسية قبل 25 ايار الجاري. لم تنضج عملية الدمج ولا التقاطعات الاقليمية والدولية، لظهور الدخان الأبيض. يجب الاتفاق على «هوية» الرئيس المنتخب قبل انتخابه. من الطبيعي جداً في حالة مثل لبنان ان المرشح الذي سيتفق عليه، لن يكون نتاج انتصار «معسكر» على آخر. مجرد حصول اتفاق وتوافق يعني ان كل الاطراف المعنية قدمت تنازلات بعضها مهم ومؤلم.
الرئيس ميشال سليمان قال كلمته قبل أن يمشي. لا شك انها تشكل مشروع «خريطة طريق»، لخليفته. يمكن ان يقال الكثير عن الاسباب التي دفعته الآن لإعلان مواقفه بوضوح. لم يكن الرئيس سليمان باستطاعته الاندفاع بمثل هذه القوة في بداية عهده. انتخاب ميشال سليمان تم على قاعدة توازنات معينة مختلفة جداً عن المرحلة الحالية.
لا شك ان المسيحيين وخصوصاً الموارنة، سيحفظون للرئيس ميشال سليمان انه وضع خطاً احمر أمام اي محاولة لتهميش موقعهم عبر كسر نظام المناصفة، والذهاب تحت صيغة مؤتمر تأسيسي أو اي صيغة اخرى نحو المثالثة. للمرة الالف المسيحيون هم الخاسرون الحقيقيون من الانقلاب على الطائف، مهما كان مشروعاً وواقعياً بحكم التغيير الذي حصل ديموغرافياً وسياسياً، الا انه غير مقبول لأنه يفقد لبنان «الملح» الذي يعطيه طعمه الخاص وحضوره المميز في المنطقة. يبقى على الرئيس المنتخب الانطلاق من هذه القاعدة وتثبيت هذا «الخط الأحمر».
الرئيس بشار الاسد كان «الناخب« الكبير الذي تنضم مواقف وجهود القوى الاخرى الى قراره. الآن، اختلف الوضع جذرياً. الاسد لم يعد «اسداً» على لبنان واللبنانيين. لكن هذا لا يعني أبداً نهايته. ما زال «ناخباً» مؤثراً عبر قوى الممانعة اللبنانية خصوصاً منها «حزب الله» وسليمان فرنجية واحزاب اخرى. هذه القوى تستطيع تعطيل الانتخابات والمحافظة على الفراغ، لكن لا يمكنها فرض إرادتها لانتخاب المرشح الذي تريده. ايضاً قوى 14 آذار لا يمكنها فرض الرئيس الذي تريده، لكنها تستطيع الوقوف في وجه «الارادة الاسدية«، ومنع تمرير قراره. وجود وليد جنبلاط يدعم التوافق والخروج من الفراغ.
في ظل تقزم «الناخب« الاسدي الكبير، ظهر «الناخب» الايراني. لا يمكن حالياً تجاهل هذا «الناخب»، خصوصاً وانه يلعب مع الأميركي الحركة الاخيرة على رقعة الشطرنج. ليس لبنان وحده على الرقعة. بالنسبة للايراني يوجد: العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين. السؤال أي «بيدق« سيضحي به ليكسب «حصاناً» هنا أو «قلعة» هناك، علماً انه في كل ذلك ستبقى حركته محكومة بالمحافظة على «ملكته»، وهي «حزب الله»، في وقت يبدو فيه محشوراً بـ»سيف» الوقت.
مصلحة لبنان واللبنانيين ألا يحل الصيف والفراغ الرئاسي قائم. ما يدعم امكانية حصول الاستحقاق، هو التوقيت المصادفة وهو نهاية المفاوضات الايرانية الاميركية. لا شك ان الكثير من الحركات والمواقف والنقاط الغامضة حالياً ستتظهر وتتبلور في مواقف «الناخبين» الكبار والصغار على السواء.