«اللبننة» لم تعد وحدة قياس للحروب الطائفية والمذهبية وما ينتج عنها من مآسٍ ونزوح وتغييرات ديموغرافية، تنتهي في أفضل صورها بسلام أهلي بارد يمشي أهله على حافة السكين.
«اللبننة»، أصبحت أيضاً وحدة قياس للأنظمة التي تتشكّل في العالم العربي. القاعدة الأولى لـ»لبننة» النظام، أن لا أحد يلغي أحداً. الجميع شركاء في إدارة الأزمات. أما القاعدة الذهبية لهذه «اللبننة» فهي: «لا غالب ولا مغلوب». ولم يعد مهماً حساب الكلفة للوصول إلى هذه القناعة، المهم الأخذ بها وتظهيرها في تشكيل النظام لبنة لبنة.
العراق، هو من بين كل الملفات الساخنة في المنطقة، على «الطاولة»، لصناعة حل ينهي أزماته المتوالية التي تكاد تطيح به. الـ»كماشة» الأميركية الإيرانية، تعمل لإخراجه من دائرة النار بعد أن كان الأميركيون والإيرانيون لسنوات طويلة يشكّلون «المطرقة» و»السندان» نتيجة لصراعهما وتنافسهما القاتل عليه. الآن يعرف، سواء الأميركي أو الإيراني، حدوده وسقفه، وهما يعملان خلف هذه الحدود وتحت هذا «السقف»، مهما بلغت حدّة التنافس بينهما. سحب «الشيطان الأكبر« و»محور الشر» من التداول، فتح الباب أمام قاعدة ذهبية عمادها: الأميركي لا يكسر الإيراني، والإيراني لا يتجاوز الأميركي.
رغم أنّ النتائج النهائية للانتخابات لم تعلن في العراق، فإنّ التقديرات شبه النهائية تؤشّر إلى أنّ نور الدين المالكي سيكون الأقوى، ولكن ليس الأوحد. التقديرات تعطيه بين 80 نائباً و85، أي تقريباً ما كان عليه في المجلس السابق. الجديد أنّ ثلاثة أقوياء يقفون إلى جانبه وهم: السيد عمار الحكيم ولائحته سيحصل ما بين 40 نائباً و43 بعد أن كانت كتلته في المجلس السابق 12 نائباً. أما السيد مقتدى الصدر فإنّه سيحصل على 30 نائباً إلى 34، في حين أن أياد علاوي الذي خاض الانتخابات منفرداً ستكون كتلته ما بين 12 نائباً و20. يبقى الأكراد فإنّهم يتنافسون في كردستان العراق ويحافظون على وحدتهم في بغداد بكل ما يتعلق بالشؤون المركزية وكتلتهم نحو 42 نائباً.
هذه التعددية ستفرض نفسها على تشكيل الحكومة القادمة. قد لا يكون المالكي رئيساً للوزراء، ولكن لا يمكن إلاّ أخذ لائحته وحزب «الدعوة» في الاعتبار. تجربة المالكي السابقة ورغم كل قوته وعدم وجود «الأقمار» الثلاثة كما الآن، كادت تعيد العراق إلى اقتتال داخلي لا ينتهي. قاعدة «لا غالب ولا مغلوب«، تسمح بتشكيل حكومة وفاقية بكل ما لـ»اللبننة» من شروط وما تفرزه من نتائج.
الرعاية الأميركية الإيرانية وبالتفاهم لاحقاً مع السعودية، تُنتج حلاً يفرض سلماً أهلياً بارداً، يسمح فعلاً بخوض حرب لا هوادة فيها ضدّ «القاعدة» بكل أسمائه وفروعه، من جهة والدخول على خط الحل السياسي في سوريا، المنطلق من عدم تجاوز الإيراني للأميركي مهما بلغت قوّته، وحضوره فيها. المهم والأساس، أن تقرر واشنطن ماذا تريد في سوريا، لأنّها بعيداً عن كل التصريحات لا تدلّ أفعالها على حسم موقفها، خصوصاً أنّها تأخذ في الاعتبار الموقف الإسرائيلي الغامض والمترجرج حتى الآن من نظام الأسد ونظامه، رغم أن إسرائيل حصلت على أهم ما تأمله وتريده وهو اضمحلال سوريا وخروجها من المعادلات لعقود من الزمن في أقل تقدير، فإنّها تتابع لعب دور الغموض السلبي.
عندما يتم الاتفاق على الأسس، تبقى التفاصيل، حتى ولو كمنت فيها «الشياطين»، فإنّ كل شيء ممكن بعد انتهاء مرحلة «الشيطان الأكبر»، لذلك إذا كان المطلوب الآن من الحرب في سوريا «سحق» التطرّف الإسلامي، فإنّه مقابل هذه المشاركة لا يمكن إلاّ تقديم شيء. من ذلك أنّ الأسد يكون خارج معادلة استعادة سوريا وبقاء الجيش مؤسسة تحافظ عليها. الحرب ضدّ التطرّف الإسلامي، لها وجه آخر هو الانتهاء من «التطرّف الأسدي«.
يبقى للحل في العراق تتمة في… لبنان.