الأوضاع اللبنانية و”الأخطاء الشائعة”!
“الأخطاء الشائعة” في الأوضاع اللبنانية كثيرة. لكننا لن نسترسل في سردها وتحليلها بعدما تناولنا التي منها ترتدي أهمية كبيرة. ولذلك نكتفي اليوم بالحديث عن عدد منها نظراً إلى أهميتها، وذلك بغية لفت نظر اللبنانيين إلى أن تجاهلها يوقعهم في حسابات خاطئة ذات مردود سلبي عليهم وعلى الوطن.
الخطأ الشائع الأول في هذا المجال هو اعتبار قسم من اللبنانيين، في مقدمهم غالبية المسلمين السنّة، أن ما حصل في سوريا عام 2011 كان ثورة على نظام استبدادي ضرب الحريات وألغى الديموقراطية وهتك حقوق الإنسان. وهو أيضاً اعتبار قسم آخر منهم تنتمي غالبيته إلى الطائفة الشيعية أن ما حصل فيها كان ولا يزال حرباً ارهابية على نظام الأسد في سوريا، خطّطت لها وموّلتها الصهيونية العالمية وأميركا وحلفاء الأخيرة من العرب عقاباً له على ممانعته السلم مع اسرائيل وعلى دعمه مقاومتها سواء في لبنان او في غزة. ويكمن الخطأ هنا في تجاهل السنّة اللبنانيين عمداً أن للثورة السورية سبباً مذهبياً لم يفصح عنه أحد في بدايتها وهو رفض الأكثرية السنية حكم الأقلية. وصار هذا السبب علنياً بعدما بالغ النظام في قمع الثوار، الأمر الذي دفعهم، بعد تجاهل العالم عملياً لها وعجز العرب والمسلمين عن دعمها، إلى إعلان مذهبية الحرب. ويكمن الخطأ نفسه أيضاً في تعمّد تجاهل مؤيدي الأسد من اللبنانيين السبب المذهبي رغم اشتراكهم فيها مباشرة. وهو اشتراك قام به أيضاً “الثائرون” على الأسد من اللبنانيين. ولعل أبرز تجليات الخطأ الشائع المشار اليه هو رفض “لبنانيي الثورة السورية” الاعتراف بأنهم أخطأوا حين ارفقوا الدعم المعنوي والسياسي للثوار بدعم آخر تجلى في تهريب مقاتلين لهم وأسلحة وذخائر، وفي تسهيل تنقلهم بين لبنان وسوريا وداخل لبنان أيضاً. ولعل أبرز تجلياته أيضاً هو رفض “لبنانيي الأسد” الاعتبار أن اشتراكهم مباشرة في حماية نظام الأسد لم يؤمن الحماية للبنان من “تدفق الإرهابيين” إلى أرضهم ولم يمنعهم من محاولة إعلان “إمارتهم الإسلامية” فيه أو في مناطق محدّدة منه.
والخطأ الشائع الثاني هو أن الشعب المسيحي في لبنان سيبقى موزعاً بين الشعب السني والشعب الشيعي في صراعهما السياسي والعسكري والأمني المحتدم في سوريا والعراق واليمن والذي يكاد أن يحتدم في لبنان. فالمسيحيون الذين رأوا ما حلّ بأشقائهم في الدين في العراق وعلى أيدي “ثوار” سنّة يتعاطف معهم السنّة في العالمين العربي والإسلامي، بمن فيهم المعتدلون منهم، قد يصلون إلى يوم يعيدون فيه النظر في التحالفات، وخصوصاً إذا لمسوا أن الاعتدال السني اللبناني بدأ يتراجع أمام التطرّف السني طوعاً وتعاطفاً حيناً أو عجزاً حيناً آخر. وقد يتقاطع ذلك مع بدء الشعب الشيعي، جراء “النكسات” أو بالأحرى “النكعات” التي عاد يتلقاها حلفاؤه في سوريا والتي تلقاها حلفاؤه في العراق وإيران، العودة إلى الشعور الأقلوي. وفي حال كهذه قد يركَب تحالف أقليات واسع. علماً أنه لا يؤمّن الخلاص لها على المديين المتوسط والبعيد. والخطأ الشائع على هذا الصعيد أيضاً هو اقتناع المسيحيين بأن لا خطر عليهم في لبنان بسبب تعدد شعوبه و”تعادل” السنّة والشيعة فيه. ذلك قد يكون صحيحاً. لكن الخطر في حال كهذه سيكون ضمور دورهم أكثر. والضمور يوصل تدريجاً إلى وضع بالغ السلبية. فالنظام الاقليمي القديم ظَلَم في القرن الماضي شعبين هما الفلسطينيون والأكراد. والنظام الذي سيحلُّ مكانه، بعد انتهاء الفوضى المذهبية والعسكرية والأمنية والسياسية في المنطقة، قد يرفع ظلم الأكراد جزئياً، لكنه سيبقي الظلم على الفلسطينيين وربما يظلم معهم المسيحيين في الشرق الأوسط.
والخطأ الشائع الثالث مزدوج. فهو يعتبر أن اللجوء السوري الكثيف جداً إلى لبنان لا يهدد تركيبته الديموغرافية وتالياً نظامه وشعوبه. ويعتبر أيضاً أنّ الفلسطينيين اللاجئين إليه من زمان تعلّموا من دروس الماضي، ولن يتورّطواً في أي أحداث لبنانية أو عربية. والاعتباران غير أكيدين والأدلة على ذلك كثيرة.
أما الخطأ الشائع الأخير فهو وجود مظلة دولية تحمي لبنان من الحروب. فالدول الكبرى تريد صادقة عدم انجرار لبنان إلى الأتون السوري والحرب العسكرية بين السنّة والشيعة. لكنها أفهمت زعماءه ومسؤوليه أنها لن تمنعه من ذلك بالقوة. والتجارب تدل على أن مناعتهم كما مناعة شعوبهم ضعيفة.