الأخطاء الشائعة معروفة في اللغة العربية. وقد شاع استعمالها على مرّ الأزمان فصارت مقبولة. لكن ذلك لم يلغِ انها أخطاء فعلاً. اما في الحياة السياسية اللبنانيّة، فيبدو أن الأخطاء الشائعة تكاثرت في السنوات الماضية. الا ان الفرق بين الأخطاء اللغوية والسياسية هو أن الأولى قد تثير بعض السجالات بين المتبحّرين في علوم اللغة ومن يعتبرون انفسهم “حداثويّين”. في حين أن الثانية، أي الأخطاء الشائعة في السياسة، قد تتسبَّب بكوارث، ذلك انها قد تغني القيادات السياسية في لبنان والمرجعيات الروحية عن إجراء تقويم سليم للأوضاع، وقد تدفعها إلى التمسك بتقويمات هي أقرب الى الأوهام. ومن شأن ذلك إبقاء الأوضاع متأزمة في البلاد ومتّجهة نحو التفجير.
لماذا إثارة هذا الموضوع اليوم؟
لأن ما شهده لبنان يوم السبت الماضي في البقاع الشمالي وتحديداً في عرسال وجرودها، وهو للمناسبة لم ينتهِ بعد ولا يزال يتفاعل، أمر خطير جداً، وقد أثرنا في “الموقف” الوضع في تلك المنطقة من زمان بالتحليل ثم بالتوقُّع الصائب لأنه سيكون الدليل “الأحمر” أي بالدم على الأخطاء الشائعة في السياسة التي ارتكبها اللبنانيون، وفي الوقت نفسه على أثرها المدمِّر للبنان بكل شعوبه.
ما أبرز الأخطاء الشائعة؟
نبدأ من الشغور في رئاسة الجمهورية. فالبعض من القيادات والمرجعيات يعتبر أن استمراره هو نتيجة “معركة نصاب” بين فريقي 8 و14 آذار على تنوع كل منهما وتناقض مكوناته. ولذلك فان الخطب السياسية والمواقف الاعلامية والعظات الدينيّة، وقد تحولت سياسية في معظمها، تطالب كلها بتوفّر النصاب لانتخاب رئيس للدولة، وتلوم أعضاء مجلس النواب كلهم لدورهم في تغييبه. كما تلوم رئيس مجلس النواب لعدم دعوته الى اجتماع المجلس في جلسات متتالية يومية، وكأن مجرد قيامه بهذه الخطوة ستجعل الروح القدس يحلّ في نفوس النواب المسيحيّين، وهَدْي الرسول العربي النبي محمد في نفوس النواب المسلمين الأمر الذي يدفعهم الى انتخاب رئيس. علماً ان القيادات والمرجعيات المذكورة تعرف قبل غيرها، وأكثر من غيرها، أن غياب النصاب هو نتيجة صراع مستميت على الرئاسة بين مسيحيي 14 و8 آذار، ونتيجة صراع شرس بين مسلمي 14 آذار، وللمناسبة غالبيتهم الساحقة من السنّة، وبين مسلمي 8 آذار الغالبيتهم شيعة على من يشغل كرسي الرئاسة. وعلماً ايضاً أنها تعرف أن الصراع على الكرسي وخصوصاً بين المسلمين المشار اليهم هو شكلي. ذلك أن الصراع الفعلي بينهم هو الآن على من يهيمن منهم على البلاد ومؤسساتها ودولتها بصرف النظر عن الأسباب التاريخية الحديثة والقديمة التي تمكّن كلاً منهما من جمع مبرّرات كثيرة لخوضه الصراع يتعلق أبرزها بتبادل سيطرة الفريقين بعضهما على بعض. ولم تخلُ السيطرة هذه غالبية الأحيان من القسوة والمظالم. وعلماً ثانياً، أن القيادات والمرجعيات نفسها تعرف أن عماديْ 8 و14 آذار أي الشيعة والسنّة ومعهما مسيحيوهما هم ممثلون للمحورين الاقليميّين – الدوليّين المتصارعين حتى الموت (أو المتفاهمين في حال نجاح حوار واشنطن – طهران) للسيطرة على المنطقة أو لتلافي كل منهما اخطار الآخر عليه وتهديداته له. المحور الأول يضم المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي كله باستثناء عُمان ورغم الخلافات مع قطر، ومصر وتركيا والولايات المتحدة وجزئياً أوروبا. والمحور الثاني يضم إيران الاسلامية ونظام الأسد في سوريا أو ما تبقى منه، و8 آذار اللبناني وعموده الفقري “حزب الله”، وروسيا وجزئياً الصين، وجزئياً جداً دول “البريكس”. هذه الصراعات كلها تجعل اعتبار معركة النصاب أساساً في إنهاء الشغور في رئاسة جمهورية لبنان في غير محله على الاطلاق. حتى لو انتُخب رئيس لها فانه سيعقد الأمور اذا اعتبر نفسه قوياً لأن قوته وهميّة ولا يستطيع ممارستها على حلفائه المسلمين. ولن يجترح الحلول اذا كان معتدلاً، علماً انه قد ينجح في تدوير زوايا، ولكن لا ضمان لنجاحه في منع تحوّل الاستقرار الهش الذي كان سائداً قبل السبت الماضي انفجاراً. وما يجب أن تعرفه القيادات والمرجعيّات السياسية والدينية هو أن لا حلول للبنان برئيس أو بشغور رئاسي. فأوضاعه صارت جزءاً لا فكاك منه من أوضاع سوريا والعراق وإيران وربما من النظام الإقليمي الجديد الذي لا يزال يحتاج الى دم ليقوم. وهي ربما تعرفه. فجهلها له جريمة، أما تجاهلها فجريمة لا تغتفر.
ما هي الأخطاء السياسية الشائعة الأخرى في لبنان واستطراداً في المنطقة؟