Site icon IMLebanon

«الإتفاق الثلاثي» يعود مقلوباً… فمَن يُسقِطه؟

أوّل خطوة عملية نحو الإستحقاق الرئاسي اللبناني لم تكن توجيهَ رئيس مجلس النواب نبيه برّي دعوةً إلى «بروفا» إنتخابية في 23 نيسان، بل كانت إعلان نظيره السوري رئيس مجلس الشعب، أنّ الرئيس بشّار الأسد تقدَّم رسميّاً بترشيحه.

مع شغور الكرسي في 25 أيار، يخرج الإستحقاق نهائياً من أيدي اللبنانيين، ويصبح خاضعاً للّعبة الإقليمية الكبيرة، بمساوماتها أو نزاعاتها. وفي هذه الحال، مسيحيّو لبنان هم الخاسر الأكبر، لأنّهم «أيتام» إقليمياً ودولياً. فحتى «الأمّ الحنون»، فرنسا، تخونهم بالرضاعة مع آخرين أكثر فائدةً لها!

التعطيل يتمّ حاليّاً بمبادرة من محور دمشق – طهران، تلبيةً لـ«كلمة سرّ» بإبقاء الإستحقاق اللبناني ورقة مساومة إلى ما بعد الإستحقاق السوري في 3 حزيران. وكالمعتاد، يبدو المحور العربي المقابل مُربَكاً وفي موقع ردّة الفعل. وقد تنزلق دول هذا المحور إلى التنازل في ملفّ الرئاسة اللبنانية، إذا قُدِّمت إليها إغراءات في أماكن أخرى، ولا سيّما منها ضمانُ استقرارها الخاص.

ومنذ العام 2005 ضغط المحور العربي على «14 آذار» لتقديم التنازل تلوَ التنازل. وأمّا في سوريا، فذاقت المعارضة مرارة وُعودِه المعسولة.
وبعد التجديد 7 سنوات كاملة للأسد، سيتفرَّغ المحور السوري ـ الإيراني للإستحقاقات اللبنانية: رئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس الذي تنتهي ولايته الممدَّدة في الخريف. ويُفترَض أن تتمّ الصفقة المتكاملة تحت وطأة الفراغ الرئاسي.

وعندما يقع الفراغ، سترتفع أصوات المسيحيّين، روحيين وسياسيين، إحتجاجاً على إستضعاف الموقع المسيحي الأوّل، مع أنّ نزاعاتهم هي التي أوصلت إلى الفراغ. لكنّ السُنَّة لن ينتحروا لانتخاب رئيس، ما دامت صلاحيات الرئاسة في يد مجلس الوزراء، ورئيسِه عملياً.

وأمّا الشيعة فهم الذين يمسكون بالمبادرة في المجلس النيابي. ولعلّهم الأكثرَ ارتياحاً لمجريات الاستحقاق الرئاسي حتى الآن، بما في ذلك خَلقُ الكتلة الوسطية بقيادة النائب وليد جنبلاط، وترشيحُ النائب هنري حلو.

فبهذا الترشيح المدروس، يستطيع حلفاء عون الأقوياء أن يقنعوه بأنّهم لا يستطيعون «المَوْنة» على جنبلاط لانتخابه. وفي العَلن، يُغدق الحلفاء على عون وعوداً برّاقة، ولكن، خلف الكواليس، يتحرَّك جنبلاط بدعم برّي، لاستمالة الرئيس سعد الحريري وصوغِ التسوية.

وثمّة مَن يخشى أن تنتصر «واقعية» الحريري على 14 آذاريته. فهو سيبقى متمسّكاً بترشيح الدكتور سمير جعجع، أو أيّ ركن آذاريّ آخر لاحقاً، ولن يسجِّل على نفسه خطأ تاريخيّاً بدعم مرشَّح من «8 آذار». ولكن إلامَ ستؤدّي تعهّدات نوابه بحضور كلّ جلسة إنتخابية يدعو إليها برّي، أيّاً كانت الظروف؟

عملياً، تؤدّي إلى انتخاب مرشّح «8 آذار». فبعد تأمين «المستقبل» ورفاقه نصاب الثلثين، يمكن لنوّاب هذا الفريق الـ57، في أيّ لحظة، أن يصوِّتوا لمرشّح يختارونه، بالتواطؤ الضمنيّ مع 8 وسطيّين من أصل 16، فيفوز هذا المرشّح. وليقترع الحريري ورفاقه لمن يشاؤون في الجلسة، لجعجع أو لسواه!

والسيناريو الآخر المحتمل هو أن يتوافق جنبلاط وبرّي والحريري على رئيس لا يثير حفيظة بكركي، ويذهب الجميع إلى المجلس لانتخابه. وليعترض الأقطاب الموارنة عندئذٍ. فلا مشكلة في ذلك، ما دام الاعتراض آتياً من مسيحيّي 8 و14 على السواء!

وهنا يُطرح سؤال: هل إنّ ترشيح جنبلاط لهنري بيار حلو مجرَّد مصادفة، أم إنّ المرشّح يحمل مواصفات الرئيس الذي قد يُرضي الثلاثي الشيعي والسنّي والدرزي، ولا يُزعج بكركي و«المسيحيّين المعتدلين»؟

لا يجوز التقليل من أهمّية ترشيح حلو كخَيار تسوَويّ، إضافةً إلى آخرين في الظلّ، عندما تحين الساعة. وقد يكون لبنان أمام «إتفاق ثلاثي» جديد، أقطابه برّي وجنبلاط والحريري. والإثنان الأوَّلان كانا ركيزتين للإتفاق الثلاثي الشهير (1985). وأمّا الثالث الناقص فهو المسيحي (الحريري بدل حبيقة). فهل يستقيم حلفٌ ثلاثيٌ يستثني المسيحيّين، بعدما سقط الثلاثي الذي يستثني السُنَّة؟

إنّها مسؤولية السُنّي سعد الحريري، أن يَرُدَّ للمارونيَّين جعجع والجميّل إسقاطَهما إتفاق 1985، مع الأكلاف المسيحية الباهظة لذلك. إنّها سخريات القدَر!