Site icon IMLebanon

الإعتدال السنّي بين نارَي «داعش» و»حزب الله»

في وقتٍ ينتهج «حزب الله» سياسة احتواء الغضب السنّي في لبنان، الذي وصلَ إلى مستويات مرتفعة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبعد السابع من أيّار، وما تشهده سوريا والعراق، تبرز مؤشّرات إلى وجود مَن يعود إلى إشعال الحساسية المذهبية في طرابلس والبقاع وصيدا، عبر سلسلة توظيفات مشبوهة، ونغمة متكرّرة من التسريبات الإعلامية.

هذه التوظيفات والتسريبات تؤدّي إلى خلاصة واحدة يُراد إيصالها للرأي العام اللبناني: السُنّة في لبنان هم حاضنة الإرهاب والفوضى والتطرّف، و«حزب الله» هو السلاح الفعّال الذي يُواجه هذا الإرهاب. ما تشهده طرابلس بات نموذجاً عمّا يُخطّط له. إستثارة الإسلاميّين بقصدِ إضعاف تيار «المستقبل»، واللعب على وتر الاحتقان بطريقة مبرمجة خلال جولات القتال التي عاشتها المدينة، والتي كانت تندلع كلّما أراد «حزب الله» وحلفاؤه الضغط على تيار «المستقبل».

يتعرَّض الاعتدال السُنّي لاستهداف واضح: «حزب الله» يواجهه من أمام والتطرّف يضغط عليه من الخلف، وهو لا يملك إلّا الاحتكام إلى المؤسّسات، وما المشاركة العرجاء في الحكومة إلّا دليل على ضيق أفق الخيارات أمام هذا الاعتدال في المواجهة المفتوحة في لبنان والمنطقة، التي تتشابَه فيها أدوار اللاعبين. في طرابلس ثمّة من يقول لتيار «المستقبل»: أنتم اخترعتم التطرّف وغذّيتموه»، متجاهلاً ما زَرَعه في جبل محسن وما أدّى إلى جولات العنف في المدينة.

في طرابلس ثمّة من يقول إنّ المطالبة بتغيير الرمز الأمني المتَّهم بإدارة جولات القتال في المدينة أمرٌ مستحيل، ويضيف: «لا تفكّروا بهذا التغيير، لا يمرّ إلّا إذا تغيَّرَت كلّ هيكلية القيادة. هذا المطلب خطّ أحمر أيّاً كان مَن يطلب تحقيقه، والرئيس سعد الحريري طلب ذلك ورُفض الطلب، وجميع القيادات الروحية والزمنية للطائفة السُنّية طلبَته ورُفض.

في طرابلس ثمّة من يُلمِّح إلى أنّ الإفراج السهل عن موقوفَين ينتميان إلى الطائفة العلوية، كان المقصد منه الضغط في اتّجاه معاكس، للإفراج عن الموقوفين الطرابلسيين، ما حدا بمرجع عسكري إلى الاتصال بالمعنيّين مستنكراً ورافضاً هذا اللاتوازن في التعامل مع مفتعلي الأحداث من الطرَفين.

في طرابلس ثمّة من لا يبالي بقطعِ الطرق، ويُشبِّهه بقطع طريق المطار الذي طاوَل بأذيّته البيئةَ التي أنبتَت قاطعي الطرق. وفي النهاية سيثور أهالي طرابلس على مَن يقطعون الطرق، وسيساعدون القوى الأمنية على فتحِها.

في طرابلس ثمّة مَن ينتقد النزاع السياسي، وغياب القرار الموحَّد في التعامل مع المتطرّفين، ويقول: أعطونا قراراً سياسيّاً بحصرِ مرجعية التعامل مع الوضع، ونحن نتصرَّف. ولكن أن تغيب فاعلية ووجود بعض القوى الشرعية من المدينة وأن يُلقى العبء على قوى دون أخرى، فهذا غير مقبول.

لكن في طرابلس هناك مَن يسأل عن حجم علاقة بعض المسلّحين وقادتهم بالأجهزة، وعن سُبل تحريك هؤلاء وتوجيههم، وتمويلهم، وتوقيت حركتهم. وهناك أيضاً من يسأل عن طريقة الإفراج عن محظوظين ومتعاونين، وعن الإبقاء على رؤوس يُراد تأديبُها، بصرف النظر عن حجم تورّط هؤلاء في جرائم، أو في مجرّد مشاركة في جولات الاشتباكات.

الخلاصة الأولى تقود إلى استنتاج أنّ هناك مشهداً يُراد إلصاقه بالمدينة، وهو مشهد الاستعداد لإيواء التطرّف. وهذا في رأي أكثر العارفين لا يعكس حقيقة الغالبية العظمى في طرابلس التي أيَّدت الخطة الأمنية، واستقبلت أجهزة الدولة باحتفالية واضحة. فهل ما يُحضَّر لطرابلس يتَّجه إلى ترتيب استهداف جديد لتيار «المستقبل»، عبر إلهائه بإشعال البيت الداخلي، بحيث يصبح في مواجهة ثنائية مع «حزب الله» ومع تطرّف بدأ ينمو شاغلاً وظيفة تفتيت الاعتدال، على إيقاع المواجهة المذهبية المستعرة في المنطقة؟