أكثر من لبنان واحد كان في جلسة المجلس النيابي الخاصة بالتضامن مع غزّة والموصل. لبنانان، ثلاثة، أربعة. كلٌ من الأصوات والمواقف تمايز في تفسير ما يحصل وفي فهمه. كانوا متضامنين، عموماً، مع فلسطينيي غزّة ومسيحيي الموصل، وكان ينقصهم التضامن في ما بينهم. وقبلهم كانت محطات التلفزة التقت للحظة على نصرة غزة ضد العدوان، ثم استأنفت التراشق المعتاد بالاتهامات وليّ الحقائق المحلية. لم يلزم أي جهد لاعتبار محنة الغزّيين مقاومة ضد العدو، لكن الإصرار على تقديم “المقاومة” كـ”ماركة ايرانية” ينحو الى نفي أن الشعب الفلسطيني في حال مقاومة منذ ما قبل ولادة “الجمهورية الاسلامية”.
لا شك في أن الاضطهاد الذي يتعرّض له مسيحيّو العراق على أيدي ارهابيي تنظيم “داعش” وصمة عار للعرب والمسلمين جميعاً. غير أن هذا النهج الظلامي لم يبدأ في الموصل، بل سبق ولادة “داعش”، ومن الضروري التساؤل لماذا جرى طمسه في مراحله السابقة التي بدأت في الولاية الأولى لنوري المالكي وبسبب امتناع الحكومة عن حماية المسيحيين، فأنصارها كانوا حاقدين عليهم ويعتبرونهم من “فلول صدّام حسين” لمجرد أنهم تعايشوا معه كما حاولوا أن يتعايشوا مع الحكم الجديد الواقع تحت الهيمنة الايرانية. ولم يعد أحد يجهل أن ما حصل في الموصل أخيراً، للمسيحيين والمسلمين معاً، كان نتيجة أخطاء المالكي والزمرة المتعصّبة التي يمارس الحكم بها ومن خلالها.
كانت فكرة الجلسة البرلمانية الخاصة معبّرة عن لبنان الذي أصبح اللبنانيون يظنون انه اندثر وصار في عالم الأوهام والأحلام. فهذه الدولة العربية هي الوحيدة التي اختارت أن تعبر تحت قبّة برلمانها عن ألم شعبها وغضبه مما يصيب الفلسطينيين، وعن ملامح رقيّ وتحضّر في مواجهة عصابة المجرمين المتوحّشين في اسرائيل. بل الأهم أن لبنان هو الدولة التي يكاد الجميع يجزم أنها لم تعد دولة، بدليل عجز المتضامنين مع غزّة والموصل عن انتخاب رئيس للجمهورية، وتركهم المنصب شاغراً، واشتغالهم بدفع الحكومة الى شفير السقوط ليتولّى مجلس النواب (الممدّد له) ادارة الحكم على طريقة “المؤتمر الوطني” الليبي الذي فرغ للتوّ من استدراج الوضع الى حرب أهلية آخذة في التوسّع.
والسؤال يُطرح: لماذا استحال على “ممثلي” الشعب اللبناني أن يلتئموا في جلسة مماثلة للتضامن مع سوريا الشعب، اذ يُفترض أن القيم والمبادئ التي حرّكتهم ازاء غزّة والموصل هي نفسها؟ الجواب معروف طبعاً، ولم يفوّت السيد حسن نصرالله تكراره في كل المناسبات، فـ”حزب الله” مع النظام ضد الشعب. وفي اطلالته الأخيرة أكثر من التلميح الى فضل ايران وسوريا وحزبه في صمود غزّة ومقاومتها. وكأنه يقول إنه ارتكب الإثم في سوريا لكنه يتطهّر في غزّة.