Site icon IMLebanon

الاحتلال يبيد عائلات بأكملها في غزة

إسرائيل تدرس خيارات بديلة للتهدئة.. وتتخوّف من أنفاق «حزب الله»

الاحتلال يبيد عائلات بأكملها في غزة

حلمي موسى

وفي اليوم الرابع والعشرين لحرب «الجرف الصامد»، عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعها الدوري في قبو هيئة الأركان العامة في تل أبيب.

ورغم إعلان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو رفضه وقف إطلاق النار، إذا لم يسمح لإسرائيل باستمرار معالجة قضية الأنفاق الممتدة عبر الحدود، فإن ما كان يهمه أكثر معالجة الشروخ داخل حكومته جراء تباين المواقف.

ويبدو أن كل الزعيق والتهديد بتوسيع الحرب، وصولاً إلى إعادة احتلال قطاع غزة، تبدد دفعة واحدة، حيث أصبح النقاش حول ما إذا كان وقف النار سيكون بترتيب مع مصر أم من طرف واحد.

وقد صعّد العدو من جرائمه ضد المدنيين بشكل مقصود، مستهدفاً العائلات بشكل أساسي. وأظهرت معطيات وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة أن العدو ارتكب حتى مساء أمس مجازر بحق 70 عائلة بلغ عدد ضحاياها 570 شخصاً. وكان آخر هذه المجازر ضد عائلة البيومي في مخيم النصيرات، حيث راح ضحيتها 14 شهيداً من أبناء هذه العائلة. وتكشف معطيات الوزارة أن ضحايا المجازر هذه يشكلون 40 في المئة من اجمالي شهداء القطاع، الذين تخطوا 1437 شهيداً. وقد بلغ عدد جرحى العدوان حتى الآن 8300 جريح، في حين بلغ عدد المنازل المهدّمة 7492 منزلاً.

وتتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل متضارب عن الاتصالات لإبرام اتفاق حول وقف النار، عبر مصر، مع الفصائل الفلسطينية. وفيما تشير بعض الوسائل إلى قرب تحقيق اختراق يبدأ بهدنة إنسانية لثلاثة أيام، تتحدث وسائل أخرى عن طريق مسدود بلغته الاتصالات.

ويبدو أن جمود المسار المصري يدفع إسرائيل إلى البحث عن مسار مختلف، وفق ما أشارت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي. ويقوم المسار الجديد على أساس خطوة منسقة، لكن من طرف واحد لإعلان هدنة.

وبحسب هذه القناة فإن المسار البديل يتضمن الانتهاء سريعاً من معالجة أمر الأنفاق المكتشفة، إعادة نشر القوات الإسرائيلية خارج حدود القطاع، والردّ بقصف جوي على كل صواريخ تطلق من القطاع. ولكن أيضاً «الاتفاق مع مصر على سبل منع تعاظم قوة حماس، واحتمال إدخال (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن كمنسق لعملية إعادة إعمار القطاع».

ومعروف أن وفداً إسرائيلياً رفيع المستوى كان قد زار القاهرة، وتباحث مع المصريين في مسألة تقدم الاتصالات بشأن وقف النار. وبحسب ما أعلن في إسرائيل فإن الوفد عاد بخفي حنين بسبب رفض «حماس» وقف النار كشرط لقبولها ضمن الوفد الفلسطيني. ونشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن حكومة نتنياهو وافقت على إدخال تعديلات عدّة على المبادرة المصرية. وأعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنه لا يزال يأمل في التوصل إلى وقف إطلاق نار، لكنه رفض توقع موعد حصول ذلك.

وللمرة الأولى منذ بدء الحرب البرية، قبل أكثر من أسبوعين، يعقد الاجتماع الدوري للحكومة الإسرائيلية، وفي قبو هيئة الأركان (هكريا). وكان قد تعرقل عقد مثل هذا الاجتماع لاعتبارات أمنية وحزبية على حد سواء، فرئيس الحكومة الإسرائيلية أراد حصر إدارة الصراع في الكابينت عموماً، وفي الثلاثي المكوّن منه ومن وزير الدفاع موشي يعلون ورئيس الأركان الجنرال بني غانتس. وهذا ما كان يرفضه وزراء كثر، حتى من داخل «الليكود»، أمثال جدعون ساعر، الذي ينافس نتنياهو على زعامة الحزب الحاكم. وعدا ذلك، هناك وزراء من حزبي «البيت اليهودي» و«إسرائيل بيتنا» ممن يعرضون مواقف أشدّ تطرفاً حتى من نفتالي بينت وأفيغدور ليبرمان.

وتنبع الخلافات داخل الائتلاف الحاكم أساساً من اعتبارات تتعلق بدواعٍ انتخابية. وليس صدفة أن استطلاعات الرأي أشارت إلى تحقيق كل من «الليكود» و«البيت اليهودي» مكاسب شعبية، لو أجريت الانتخابات في هذه الأيام. وربما لهذا السبب وجّه نتنياهو، في مستهلّ جلسة الحكومة، انتقادات شديدة للوزراء الذين ينتقدون أداء الحكومة، وكان يقصد ليبرمان وبينت وساعر، ممن طالبوا بشكل أساسي بإعادة احتلال قطاع غزة.

وفي كل حال، أعلن نتنياهو أن «الجيش الإسرائيلي يواصل العمل في كل أرجاء القطاع بكامل القوة، لإتمام مسألة الأنفاق». وشدد على أنه لن يقبل بوقف نار لا يشمل التحييد التام للأنفاق من غزة. ومع ذلك اعترف بأنه ليس هناك ما يضمن بشكل تام تفكيك الأنفاق «مثلما لا تستطيع القبة الحديدية توفير ردّ مطلق». وقال «حتى الآن حيّدنا عشرات الأنفاق الإرهابية، ونحن عازمون على إتمام هذه المهمة، مع أو من دون وقف للنار. لذلك لن أقبل بأي اقتراح لا يسمح بإتمام هذه المهمة». واعتبر أن الإنجازات التي حققها الجيش الإسرائيلي هي المرحلة الأولى على طريق تجريد غزة من السلاح، و«هو ما وافقت عليه الأسرة الدولية. هذا لم يكن سهل التحقيق، لكننا حققناه».

وبرغم استمرار القتال على تخوم غزة والغارات الإسرائيلية على المنشآت المدنية وبيوت المواطنين في القطاع، والقصف الصاروخي الفلسطيني للمستوطنات، فإن التركيز يوم أمس كان على الجهود السياسية. وأصبح بادياً للعيان أن رصيد إسرائيل من الوقت، في زمن الأسرة الدولية، ينفد بسرعة كبيرة، فمواقف الإدارة الأميركية، بمختلف وزاراتها، صار يضيء مصابيح حمراء في إسرائيل. وقد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن إسرائيل طلبت في العشرين من تموز الماضي فتح مخازن الطوارئ الأميركية القائمة في إسرائيل أمام الجيش لتعويض ذخائر، وأن الوزارة سمحت بذلك بعد ثلاثة أيام. وكان هذا تأكيداً على موقف أميركا الداعم لإسرائيل، خلافاً لما تعلن مصادر إسرائيلية. ولكن بعد ذلك بقليل أعلنت وزارة الدفاع الأميركية قلقها من أعداد الضحايا المدنيين في القطاع، فيما أعلن البيت الأبيض أنه شبه متأكد من أن إسرائيل كانت وراء قصف مدرسة تابعة لوكالة غوث اللاجئين (الاونروا).

كذلك تسمع إسرائيل أصواتاً تزداد حدة في إدانتها لاستهداف المدنيين في القطاع، ليس فقط من رئيسة مجلس حقوق الإنسان العالمي، وإنما أيضاً من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي أعلن أن لا شيء مطلقاً يبرر استهداف المدنيين، وهذه الأعداد من الضحايا. ودعا مجلس الأمن الدولي، في بيان رئاسي، إلى «وقف إنساني فوري وغير مشروط لإطلاق النار يمكن أن يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار على أساس اقتراح (الوساطة) المصري»، مطالباً أيضاً «بهدنات إنسانية» لإغاثة السكان.

ومساءً، قال كيري والأمين العام للامم المتحدة بان كي مون إن اسرائيل وحماس اتفقتا على وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة في غزة، على ان تبدأ التهدئة اليوم.

وقالا في بيان مشترك إن وقف إطلاق النار سيبدأ في الثامنة صباحاً في أول آب. وأضاف البيان أن «القوات على الأرض ستبقى في مكانها» أثناء التهدئة، ما يعني أن القوات الإسرائيلية لن تنسحب.

وقال كيري وبان «نحث جميع الاطراف على ضبط النفس حتى تبدأ الهدنة الانسانية والالتزام التام بتعهداتهما أثناء وقف إطلاق النار»، مضيفين أن «هذه الهدنة مهمة لمنح المدنيين الأبرياء وقفة من أعمال العنف تشتد حاجتهم إليها».

وذكرت وكالة «رويترز» أن «وفدين إسرائيلي وفلسطيني، سيتوجهان إلى القاهرة فوراً للتفاوض على وقف مستمر لإطلاق النار».

وهناك في الأوساط الإسرائيلية نوع من الإجماع أن كل يوم يمرّ يعني خسارة سياسية للاحتلال. لذلك فإن النقاش يدور حول استراتيجية الخروج، سواء باتفاق أو من دون اتفاق، وعبر الوساطة المصرية أو من دونها، وهذا يجعل الأيام القليلة المقبلة حاسمة.

وفي هذه الأثناء، أعلنت إسرائيل عن تجنيد 16 ألف جندي احتياط جديد، ليبلغ عديد المجندين احتياطياً في الحرب حوالي 86 ألفاً. وهذا رقم كبير بمعايير إسرائيل وقوة العمل فيها، خصوصاً أن هناك أيضاً تراجعاً في قوة العمل وزيادة في البطالة بسبب توقف الكثير من منشآت الإنتاج، خصوصاً في الجنوب. وقد أعلن رسمياً عن تضرر واحد من كل أربعة إسرائيليين اقتصادياً جراء الحرب. كما أعلن أن تكلفة الحرب الصافية حتى الآن بحدود ستة مليارات شيكل (1.7 مليار دولار)، لكن الجيش سيطلب عشرة مليارات شيكل كتكلفة حقيقية لإعادة ملء مخازنه.

وثمة اعتقاد أن الجيش الإسرائيلي أقدم على تجنيد المزيد من قوات الاحتياط بعدما تبين له أن المعركة الجارية قد تحتاج إلى حوالي أسبوع إلى عشرة أيام. والواقع أن تقديرات الجيش، كما تبرز في تعليقات المعلقين العسكريين، تتحدث عن 5 إلى 7 أيام يحتاجها الجيش لإتمام مهمته في تدمير الأنفاق المكتشفة حتى الآن. لكن البعض يقول إن قصة الأنفاق لا تنتهي، واكتشاف بعضها لا يعني القدرة على إنهائها. فعملية ناحال عوز التي اقتحم فيها مقاتلو «القسام» الموقع العسكري هناك تمّت عبر نفق، أعلنت إسرائيل اكتشافه، وقامت بتدمير جزء منه من دون أن تعرف أن له تفرعات أخرى.

وكان أعضاء كنيست قد طلبوا من نتنياهو تعديل الموقف القانوني من «عملية الجرف الصامد»، واعتبارها حرباً، بعدما استمرت أكثر من ثلاثة أسابيع وجرى تجنيد كل هذا العدد من القوات الاحتياطية، وتأثر بها كل هذا العدد من الجمهور الإسرائيلي. وطالب عضو الكنيست عن حزب «العمل» نحمان شاي رئيس الحكومة بإعلان أن ما يجري هو حرب «فمثل هذا الإعلان سينصف سكان الجنوب، وأيضاً باقي سكان المناطق المعرضة لأخطار صليات الصواريخ، ويلزم أجهزة الدولة بتعويض المتضررين وفقاً لذلك». وحالياً تعكف وزارة المالية الإسرائيلية على عرض مشروع لتعويض المتضررين من الحرب على مسافة 40 كيلومتراً عن حدود غزة.

وخلافاً للمواقف المتشدّدة التي يحاول قادة إسرائيل إظهارها، فإن حرب غزة تثير الذعر في أوساط متزايدة. وبالإضافة إلى الأنباء حول رحيل نسبة عالية من سكان مستوطنات غلاف غزة بعد تعاظم الأنباء حول الأنفاق الهجومية لحركة «حماس»، تتزايد المخاوف في الشمال من وجود أنفاق يحفرها «حزب الله».

ونقلت الصحف الإسرائيلية عن بعض سكان المستوطنات الحدودية قرب لبنان قولهم «مرّات عدّة في الأسبوع نسمع شيئاً مثل طرقات مطرقة، ونحن نريد بعد انتهاء العملية في غزة أن يصلوا إلى هنا لفحص ما يجري تحت المستوطنات».

ويؤمن كثيرون بأن «حزب الله» يحفر أنفاقاً تمتدّ إلى عمق الأراضي الإسرائيلية، وأنه بعد انكشاف خطرها في غزة تعاظم القلق في الشمال. وعبّر عدد من سكان المستوطنات، أمام وسائل الإعلام، عن خوفهم مما يجري، وتحذيرهم الدائم للسلطات كي تفعل شيئاً.