لا يتأمّل اللبنانيّون الكثير من جلسة اليوم، ولا من المجلس النيابي ولا من رئيسه ولا من حزب الله وكتلته النيابيّة التي تريد أن تفرض على اللبنانيين رئيساً تختاره لهم إيران، ومن شاهد بالأمس الاستقبال الذي حظي به سفير إيران الجديد أدركَ أن ما شاهده كان استقبالاً لـ «المندوب السامي الإيراني» للدولة التي تحتلّ لبنان عبر ميليشيا إيرانية الهويّة والهوى!!
ولا يتأمّل اللبنانيّون الكثير من ميشال عون وكتلته النيابية فالزمن ما زال عالقاً عند عون في 1990 وهاجسه في أن يكون رئيساً حتى ولو تحوّل البلد إلى كومة خراب، كما لا يتأمّل اللبنانيّون الكثير من وليد جنبلاط وكتلته الذي يُصدّق أنّه «بيضة» القبان، إلا أن الفارق الوحيد أنهم لا يأمنون جانب التقلبات الجنبلاطيّة وحسابات مصلحتها الشخصيّة!!
ولا يتأمّل اللبنانيون الكثير من كتلة الرئيس نبيه بري، فقد أثبت الرجل أنه يلعب بلبنان ومصيره لعبة الورقات الثلاث التي ستقود لبنان إلى حتفه منذ وضعه النظام السوري على رأس المجلس النيابي ليحكموا التشريع والقوانين الدستوريّة بما يتناسب ومصالحهم!!
ولا يتأمّل اللبنانيون الكثير أيضاً من موقف بكركي الغاضبة من عون وكتلته وتضييعهم للرئاسة الأولى لأهوائهم الشخصية ومع هذا ما زالت تلزم جانب الصمت فلا يخرج البطريرك على اللبنانيين ويتوجّه إليهم برسالة واضحة تفضح الكاذبين والمخادعين واصحاب الوعود والعهود الكاذبة الذين لا يقيمون اعتباراً لا لبكركي ولا لبطريركها ولا للبنان ومصيره الذي رهنوه لحزب الله وإيران!!
نحن في مواجهة الفراغ مجدداً وسيناريو العام 1988 يتكرر، في ذاك الوقت كان النظام السوري رأس الأفعى المتحكم بلبنان، فيما اليوم تحوّلت إيران إلى رأس الأفعى الذي يهدد المنطقة، وعلى عكس الكثير من المتأمّلين في «ربع الساعة الأخير» الذي جربّناه منذ العام 1988 والذي أفضى تكراراً إلى الفراغ، بالأمس ومن بكركي تحدّث المرشّح الرئاسي الدكتور سمير جعجع فيما يُشبه التمهيد النفسي للبنانيين فقال: «فكرنا كثيراً أنا كمرشح وقوى 14 آذار بماذا يمكننا بعد أن نفعل أكثر مما قمنا به، ولكن في الوقت الحاضر لم نصل إلى أي شيء لتجنب الفراغ».
ولمناسبة الحديث عن الفراغ الرئاسي، لا بدّ لنا هنا من تذكير اللبنانيين أن مائة وخمسة وستين قتيلاً وأكثر من ثمانية ملايين لاجئ سوري لم يحرّكوا ضمير أميركا ولا أوروبا ولا العرب، فلا ينتظرنّ أحد من أن يكترث العالم للفراغ الرئاسي، ومنذ الآن نقول أننا نتوجّس خيفة من تغيّر في اتجاه رياح الحرب من سوريا إلى لبنان لفرض واقع جديد على لبنان واللبنانيين، وعقد اجتماعي جديد وسط ما يروّج له من أحاديث عن «مؤتمر تأسيسي» يحوّل الثلث المعطل إلى كارثة «دستورية» تفضي إلى نهاية الدولة اللبنانيّة!!
اليوم؛ لا وضوح في الصورة اللبنانيّة سوى ما صدر أول من أمس عن تمسك كتلة المستقبل وقوى 14 آذار بالدكتور سمير جعجع مرشحاً لانتخابات الرئاسة اللبنانية والذي يحظى بالإجماع، ودعوتها لقوى الثامن من آذار لتسمية مرشحها من أجل إفساح المجال أمام النظام الديموقراطي لكي يلعب دوره كاملا، لا تعطيله وإدخال البلاد في شغور ينعكس سلباً على صورة لبنان وصورة استقراره.
وللمناسبة حديث الرئيس نبيه بري عن الجلسة المفتوحة لإنجاز الاستحقاق لن تُفضي إلا إلى مزيد من تضييع الوقت والفرص وتضليل اللبنانيين وإيهامهم بأنّ ما يحدث هو محاولات جدّية لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي فيما هو هدر لما تبقى من ساعات تفصل لبنان عن الدخول في مجهول الفراغ ورياحه العاصفة.